منع

الفاشية والإسلام

موسوليني



في مقالة "الفاشية الأبدية" [*] يسعى أُمبرتو إيكو إلى توصيف العناصر المميزة للأيديولوجيا الفاشية باعتبارها أيديولوجيًا متجددة خارج سياق الفاشية الإيطالية.
إنَّ ما هو جدير بالأهمية في هذا السعي هو الكشف عن العناصر المميزة لا لهذه "الفاشية" أو تلك، بل العناصر العامة التي تجعل الأيديولوجيا التوتاليتارية (أياً كانت) أيديولوجيا فاشية. بكلمات أخرى، الكشف عن العناصر "الدائمة" في الثقافة الاستبدادية سواء تلك التي كشفت عنها تاريخياً الفاشية الإيطالية، أو الأحزاب اليمينية الفاشية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، أو تلك الأنظمة التي ظهرت أو لا تزال في أماكن مختلفة من العالم بغض النظر عن الأيديولوجيا المعلنة أو العقيدة الدينية المعتنقة.
فالفاشية، كما يقول إيكو، لا تشكل أيديولوجيا موحدة، بل هي خليط من الأفكار ذات الطابع السياسي والفلسفي المليئة بالمتناقضات.
2.
فقد تحولت الفاشية "إلى مفهوم قابل للتكيف مع كل الوضعيات. فحتى في الحالة التي نحذف من النظام الفاشي هذا العنصر أو ذاك فسيكون من الممكن دائماً التعرف عليه باعتباره كذلك".
ومع ذلك وبالرغم من هذا الخليط، كما يرى إيكو، فإنه يمكن تمييز مجموعة من الخصائص النوعية التي تصاحب الفاشية الأصلية "= الفاشية البدائية الأبدية". بل أنَّ القضية الجوهرية في منطلقات إيكو هي أنَّه ورغم استحالة "تجميع هذا الخصائص في نظام واحد" لأنها خليط من المبادئ التي يمكن أن تتضارب فيما بينها أو أنها تذكرنا بأشكال أخرى للتعصب والاستبداد "ولكن يكفي أن تتحقق خاصية واحدة لكي نكون أمام سديم فاشي"!
3.
لكن المدهش للمراقب الذي لا ينحدر بعينيه وفكره إلى سطح الظاهرة الثقافية الإسلامية ويتغلغل في نسيج البنية اللاهوتية للعقيدة الإسلامية فإنه سوف يصطدم بما لا يقبل الشكَّ بواقع كون الأيديولوجيا الإسلامية (وهذا ما رأيناه بصورة جلية في الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وفي إيديولوجيا الكثير من الحركات الإسلامية) تتضمن عدداً كبيراً من هذه الخصائص حتى ليبدو"السديم الفاشي"، الذي يتحدث عنه إيكو، للثقافة الإسلامية ظاهرة واقعية ويومية من غير أي تكلف.
إنَّ من أهم خصائص الخطاب الإسلامي المعاصر هو أنه يخفي أكثر مما يعلن ويتستر على تاريخه أكثر مما يتحدث عن أوهامه.
4.
فما هي أهم هذه الخصائص التي يوردها إيكو والتي يمكن العثور على آثارها في الثقافة الاستبدادية الإسلامية؟
هذا تلخيص شديد للنص (الصفحات ما بين 70-80) الذي يسرد فيه إيكو هذه الخصائص محاولاً تبين الصورة الإسلامية من خلاله:




 1.

أولاً:
عبادة التراث
إنَّ النزعة التقليدية أقدم من الفاشية.
إن هذه الثقافة الجديدة (التي تستند إلى التراث) ذات طابع تلفيقي.
وهي تسعى إلى خلاصة مزيفة:
لا يمكن أن يكون هناك تقدم في المعرفة. لقد قيلت المعرفة منذ زمن قديم دفعة واحدة؛ ولا يمكننا سوى أن نستمر في تأويل رسالتها الغامضة [تذكروا مثلاً الشيعة الإثني عشرية والباطنية الإسماعيلية].
ويكفي أن نراقب السجل الخاص بكل فاشية لكي نجد أنفسنا أمام المكانة الممنوحة للمفكرين التقليديين الأساسيين.
ثانياً:
رفض العالم الحديث
إن النزعة التقليدية تقتضي رفض العالم الحديث.
لقد كان الفاشيون، مثلهم مثل النازيين، يعشقون التكنولوجيا، في حين أن ذوي النزعة التقليدية يرفضونها عامة. فهي في تصورهم نقيض القيم الروحية التقليدية. ومع ذلك، ورغم أن النازية فخورة بإنجازاتها الصناعية، فإن مدحها للحداثة لم يكن سوى مظهر سطحي لأيديولوجيا مبنية على الدم والأرض.. لقد كان رفض العالم الحديث مستترا في إدانة نمط الحياة الرأسمالية. كما أنه كان يظهر في رفض روح الثورة الفرنسية ورفض روح حرب الاستقلال [1775-1788] الأمريكية ضد الإنجليز.
بل أنَّ رفض العالم الحديث قد امتد إلى حدود أوسع وتمثل في النظر إلى عصر الأنوار وعصر العقل باعتبارهما بداية الانحراف الحديث.
وبهذا المعنى فإنه يمكن تحديد الفاشية باعتبارها لا عقلانية.
ثالثاً:
إن اللاعقلانية مرتبطة أيضاً بعبادة الفعل من أجل الفعل [أو اختلاق القضايا "المصيرية بالنسبة للحركات الإسلامية"!.
يجب أن نقوم بـ"الفعل" قبل التفكير أو حتى بدونه. فالتفكير بالنسبة للفاشية نوع من التهجين. ولهذا فإن الثقافة مشكوك فيها دائماً لأنها ترتبط بالموقف النقدي. وهذا ما دعا غوبلز [وزير الاعلام النازي] إلى التصريح: "عندما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي!".
رابعاً:
لا يمكن لأي شكل من أشكال التلفيق أن يقبل النقد. فالعقل النقدي يقيم تمايزات – والتمييز علامة تدل على الحداثة. فالاختلاف "التمايز" في الثقافة الحديثة أداة من أدوات المعرفة. أما بالنسبة للفاشية الأصلية فهو خيانة.
[ولهذا فإنَّ أول ضحية هي: التعددية]
مقتضى الصدر


خامساً:
رفض الاختلاف:
إن الاختلاف في نفس الوقت هو تعبير عن التنوع.
أما الفاشية الأصلية فتؤمن بالإجماع وتبحث عن استغلال واستثمار الخوف من الاختلاف.
أول بيان أعلنته الحركة الفاشية كان ضد الأغراب: الفاشية الأصلية هي إذن أيديولوجيًا عنصرية.
سادساً:
المؤامرة!
تتوجه الفاشية نحو الذين لا يمتلكون أية هوية اجتماعية (المهمشين) وتعدهم بامتياز يشترك فيه الجميع: تعلن لهم بأنهم ولدوا في بلد واحد.
غير أن الهوية القومية ولكي تكتمل فإنها بحاجة إلى الأعداء. فإن مصدرا لسيكولوجيا الفاشية هو هوس المؤامرة، وكلما كانت دولية كلما كان من الأفضل.
إنهم محاصرون بالأعداء. والوسيلة البسيطة من أجل الكشف عن المؤامرة تكمن في الدعوة إلى كراهية الآخر.
ولكن هذا لا يكفي: إذ يجب أن يكون مصدر المؤامرة في الداخل أيضاً. ولهذا فإن اليهود هم عادة الأهداف المفضلة لأنهم يمتلكون امتياز وجودهم في الداخل والخارج في الوقت ذاته.
سابعاً:
يجب أن يشعر المريدون (الأنصار) بالمهانة بسبب غنى العدو وقوته.
ولكن ومن خلال تحول لا متناهي لسجل بلاغي (خطابي) فإن الأعداء هم أقوياء جداً ولكن ضعفاء جداً أيضاً.
ولهذا فإنه محكوم على الفاشيين أن يخسروا حربهم، لأنهم غير قادرين، من الناحية المؤسساتية، على تقويم موضوعي لقوة العدو[أنظروا ماذا فعلت إسرائيل بالدول العربية والإسلامية!]
ثامناً:
لا وجود في التصورات الفاشية الأصلية لصراع من أجل الحياة!
فالحياة ذاتها هي صراع. وإن النزعة السلمية هي بمثابة تواطئ مع العدو. الحياة هي حرب دائمة. وهذا ما يمنح هذه الحرب مركب أرامجادون Armageddon : طالما كان من المقدر هزيمة الأعداء فيجب أن تكون هناك معركة نهائية حيث تستولي بعدها الحركة الفاشية على العالم.
حسن نصر الله


تاسعاً:
النخبوية:
النخبوية هي مظهر من مظاهر الإيديولوجيا الرجعية. وقد ارتبطت النزعة النخبوية الأرستقراطية وذات النزعة العسكرية باحتقار الضعفاء.
لا يمكن للفاشية الأصلية تجنب الدعوة إلى النخبوية الشعبية:
كل مواطن ينتمي إلى أفضل شعب في العالم، وأعضاء الحزب هم أفضل المواطنين. وإن الزعيم الذي يعرف أن سلطته لم تكن انتخاباً، بل انتزعها بالقوة، يعرف أن القوة مبنية على ضعف الجماهير – إن الجماهير ضعيفة جداً لدرجة تستحق رجلاً مهيمناً أو هي في حاجة إليه – والأمر سواء.
عاشراً:
ووفق هذا المنظور فإن كل مواطن يربى لكي يصبح بطلاً. فإذا كان البطل في الأساطير هو كائن استثنائي، فإنه يشكل المعيار في الإيديولوجيا الفاشية. إن تمجيد البطولة وثيق الارتباط بتمجيد الموت، [أو الشهادة].
جادي عشر:
وبما أن الحرب الدائمة والبطولة لعبتان من الصعب ممارستهما على الدوام، فإن الفاشي يحول إرادة القوة عنده إلى قضية جنسية. وهنا مصدر الفحولة (التي تستدعي احتقار النساء والإدانة اللامتسامحة للأخلاق الجنسية اللاامتثالية من العفاف إلى المثلية). وبما أن الجنس هو لعبة صعبة، فإن الفاشي يلعب بالأسلحة، وهي بديل حقيقي للقضيب: إن مصدر هذه الألعاب الحربية فحولة دائمة.
5.
ليعود القارئ المطلع بذاكرته إلى تصريحات الحركات الإسلامية (التي يطلق عليها: المتطرفة. وهو تعبير مزيف. لأنَّ أيديولوجيًا هذه الحركات هي أيديولوجيا مقتبسة بحرفية بالغة من العقيدة الإسلامية بحد ذاتها) وليتأمل كتاب: "إدارة التوحش"، فما الذي سوف يجده؟
لا توجد فقرة واحدة من برامج الحركات السلفية "المتطرفة" من خارج سياق المبادئ المبثوثة في كتاب محمد وفي تصوراته عن الآخر – المخالف عقائدياً.
لنتأمل موقف المسلمين من المخالفين لهم عن العالم الآخر الذي لا يزال يسموه "دار حرب؛
لنتبصر في/ولنحلل تصوراتهم عن رفض التطور والتقدم والعودة إلى الماضي – القرون الثلاثة الأولى التي "تُختزن" فيها المعارف الكاملة والنهائية!
فليس بالإمكان، بالنسبة لهم، أحسن مما كان، وليس بالإمكان أنْ يُقال أحسن مما كان يُقال فقد رفعت الأقلام وجف الصحف؛
ولنتفحص موقفهم المعادي من الثقافة العالمية والعلم والنقد الذي لا يتفق مع أساطيرهم وخرافاتهم عن أنفسهم وعن العالم؛
هل نسينا كيف قام مرتزقة حركة طالباني ومرتزقة الدول الإسلامية بتدمير التراث الثقافي للحضارات القديمة العريقة؟!
لننظر إلى روح الثقافة الاستبدادية ورفض التعددية التي تتغلغل عميقا في تفكير المسلمين:
فهل نجد في كل هذا ما يتعارض مع العناصر "الدائمة" في الثقافة الاستبدادية سواء تلك التي كشفت عنها تاريخياً الفاشية الإيطالية أو تلك الأنظمة التي ظهرت أو لا تزال في أماكن مختلفة من العالم بغض النظر عن الأيديولوجيا المعلنة أو العقيدة الدينية المعتنقة؟
أين الاختلاف ما بين العقيدة الاستبدادية الإسلامية والعناصر الدائمة المكونة للفاشية؟
بل هل ثمة خلاف إطلاقاً؟
شيخ الأزهر/أحمد "الطيب"
وأخيراً علينا إلا ننسى تحذير أمبرتو إيكو :
إن الفاشية الأصلية قابلة لأن تعود من خلال أشكال بالغة البراءة وواجبنا أن نفضحها!
فهل ثمة شكل أيديولوجي "بالغ البراءة" أكثر من العقيدة الإسلامية؟

[*] من "دروس في الأخلاق، الدار البيضاء 2010".



من محمد الايمان إلى محمد التاريخ

قانون طبيعي (في طور الاكتشاف):
إذا لعن مسلمٌ (بالأسلوب المعتاد: أسلوب الابتذال والانحطاط) كِتَابَاً وكَاتِبَهُ في حياته ومماته فإن على القارئ أن يكون واثقاً بأن هذا الكتاب قد سبب له ما يكفي من الآلام "الروحية". ولأنَّ تصوره عن "الروح" سخيف ومربك ومفكك فإن هذه الآلام لن تطهره من أخطاءه ولن تزيده إلا ابتذالاً وانحطاطاً.

الكتاب هو: من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ.
والكاتب هو: الراحل العفيف الأخضر [1934-2013]
1.
لم يتم نقد الدين نقداً جذرياً حتى الآن:
يقول العفيف الأخضر في مقدمته لكتاب لينين " نصوص حول الموقف من الدين، 1972 بيروت":
- من مفارقات تأريخنا الحديث، وهي تستعصي على العد، ان هذا الشرق الذي ولد فيه الدين لم يلد فيه ٬ في تأريخه الحديث، نقد الدين. لأن الطبقات الصاعدة التي تجرأت على نقد الدين في تأريخ أوربا الحديث لم يعرفها تأريخنا الحديث الا كطبقات مجهضة تخشى النقد والثورة أكثر مما يخشاهما رجال الدين ورجال الدولة أنفسهم"[ص:6]
- " معظم ما صدر حتى الآن عندنا تحت عنوان نقد الدين، جدير بأن يصنف دون حرج تحت عنوان دعم الدين"[ص: 23]
- " اما الاسلام المُكَبَّل بالطقوس المُشِلَّة والتفكير الخرافي فانه لم يتعرض في تأريخه الحداث الى أي محاولة جدية لتطهيره من الطقوس المعطلة للنشاط الانساني [...] هذا فضلا عن الطقوس البربرية في بعض المناسبات الدينية والتبذير المخيف على قبور الأولياء ومزاراتهم …"[ص: 32]
2.
لا حاجة للكلام كثيراً عن موقف العفيف الأخضر من الدين، فهي قضية واضحة:
نقضه ونقده بصورة جذرية (وليس كما يُخَرِّف بعض أنصاف المتعلمين: نقداً بناء!). فنقد الدين لا معنى له إذا لا يكون بغير الهدم.
وإنَّ هذا الموقف الجذري غير المهادن من الدين – والدين الإسلامي بالذات (لأن المسيحية قد مرت بطور النقد الجذري) هو ما يستحق لعنة أنصاف المتعلمين.
في مقدمته لكتاب" من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ، 2014، كولونيا/ألمانيا" يقول العفيف الأخضر:
" هدف هذا البحث، القصير، كبيرٌ: انتزاع نبي الإسلام من التخاريف وإعادته إلى التاريخ"
وهذه هي واحدة من أكبر مصائب السيرة الأدبية الإسلامية وهذا ما يقوم به مجاهدو المنتديات:
تحويل "التخاريف" والأساطير المتعلقة بمحمد والإسلام إلى تاريخ معتبر – رغماً عن أنف الجميع - ومن بين "الجميع": التاريخ الواقعي وليس الميتاتاريخ على حد قول العفيف الأخضر.
ثم يواصل:
"عبر القرون تكونت لنبي الإسلام 3 صور: صورة الرسول المبلغ الأمين لرسالة الله عبر جبريل؛ صورة المفتري، الذي يدعي النبوة، التي حصرتها التوراة في ذرية إسحاق، والحال أنه من ذرية إسماعيل، إذن هو طريد منها؛ صورة الزعيم الماكر الذي أراد الرئاسة وجمع المال" [ص:5]
3.
غير أن الكاتب يرى بأن جميع هذه الصور مغلوطة ولهذا فهو يسعى إلى تصحيحها استناداً إلى "المعارف النفسية" بهدف تقديم صورة محمد الحقيقية وهي صورة "تجعله لا يختلف عن جميع أسلافه وأخلافه من الأنبياء، أنبياء معبد عشتار، في القرن 7 ق.م، إلى أنبياء ساحل العاج وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في القرن العشرين، مروراً بأنبياء إسرائيل" [ص:6]
فالقاسم المشترك بيم جميع هؤلاء "الأنبياء" – وثمة الكثير غيرهم كما يعرف القارئ هو: الأعراض السريرية: "هذيان النبوة" من وجهة نظر الطب النفسي.
إذن "النبوة" هي الاسم الآخر للهذيان المرضي!
ولهذا فإن العفيف الأخضر يرفض ذهنية "التقديس" الساذج لمحمد والتي تسود بين المسلمين. فهي لم تعد ملائمة للذهنية الحديثة النقدية:
"التقبل الأعمى لكل ما ترويه السيرة عن معجزات محمد، ينبغي أن يُخَّلي مكانه للارتياب، للبحث والتنقيب؛ لاكتشاف أن التصديق بهذه المأثورات هو من تأثير الانبهار الأعمى بها، واستقالة الفكر النقدي أمامها، اللذين يُلغيان كل مسافة نقدية منها" [نفس المصدر السابق]
باختصار:
ضرورة القطيعة مع التفسير العامي الساذج، وهو في رأي الكاتب "تفسير عامة المؤمنين بمن فيهم قطاع النخب التقليدية أو ذات الذهنية التقليدية، للنبوة لإدخال التفسير العلمي، الطب النفسي، لها. مفهوم النبوة العامي بما هو "صوت من الغيب" حامل لحقائق عابرة للتاريخ، أي صالحة لكل زمان ومكان، لا يستطيع العقل البشري إلا التقيد بها وإلا ضاع وأضاع "[ص:11].
4.
النبوة هذيان:
يرى العفيف الأخضر، بأن مفهوم النبوة العلمي، هو:
هذيان التأثير – أي: هذيانات وهلاوس صادرة من دماغ بشري مستوجب للعلاج. إذ أن الشفاء من هذيان النبوة اليوم هو في متناول الطب، خصوصاً عندما يكون المرض في بدايته.
من الأسئلة (التي تستحق اللعنة) التي يطرحها العفيف الأخضر:
إنَّ محمداً لم يتردد في التصريح بأنَّ أمه وأباه وكل أعضاء عائلته، الذين لم يؤمنوا به، في النار.
فكيف يكونون قد اكتشفوا باكراً نبوته، أو على الأقل بركته، ومع ذلك فضلوا الكفر على الإيمان والنار علة الجنة؟!
5.
الوحي = الهلاوس:
كتاب محمد، وفي حالة القراءة النقدية والمتعمقة "وثيقة طبية عن نفسية نبي الإسلام". ويقارنه العفيف الأخضر باعترافات جان جاك روسو (كتاب "اعترافات" الصادر1782) حيث كشف في لحظات شكوكه المتكرر في إيمانه برسالته، وعن ضيق صدره بالقرآن التي تعبر عنها أية: "فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك، وضائق صدرك". كما أنه كان في نيته في "افتراء" قرآن آخر، على غرار الآيات الشيطانية، طمعاً في استرضاء مثقفي مكة، الذين طالما أحرجوه بسؤال المعجزة، عسى يستريح من شقاء العزلة النفسية، التي لا تلطف وقعها الأليم على نفسه الجريحة إلا الهلاوس. إذ أن وظيفة الهلاوس هي تطمين المهلوس لتخفيف عزلته وقلقه. لذلك يكون انقطاعها، أي انقطاع الوحي، مصدر شقاء ما بعده شقاء له. إذ تتركه وجهاً لوجه مع عذابه النفسي، ومع العنف النفسي، الذي كان يكابده يومياً، بسبب استهزاء قريش به" [ص: 17].
6.
ويخلص الأخضر في مقدمته بأن قارئين سيتأكدان من هذه النظرة المحايدة لمحمد التاريخ:
"القارئ الخبير والقارئ النابه. وإليهما كتبت هذه البحث، الذي كشف عن جوانب من الحقيقة: حقيقة نبي الإسلام؛ عسى أن يساعدهما على المضي قدماً لكشف جوانب أخرى من حقيقة أوسع وأعمق برسم الاكتشاف، سواء في شخصية نبي الإسلام أو في شخصيات حلفائه الراشدين، وخاصة عمر الذي هو المؤسس الحقيقي للإسلام، مثلما كان بولص هو المؤسس الحقيقي للمسيحية. عمر نشر الإسلام، خارج شبه الجزيرة العربية، بالسيف، أما بولص فقد نشر المسيحية، خارج فلسطين، ببناء الكنائس".
وإذا أتفق مع الفكرة الأساسية في هذا الاقتباس، فإنَّ المسيحية قد فرضت هي الأخرى بالسيف وملاحقة المعارضين والمخالفين منذ أول مجمع مسكوني.
7.
والحق أنَّ عليَّ أنْ أضيف قارئاً ثالثاً يستحق الاهتمام:
هم المسلمون الذين لم يودعوا عقولهم ويجاهدون بصمت من أجل التغلب على خرافات الإسلام السني والشيعي التي تطوقهم من جميع الاتجاهات؛
إنهم رجال ونساء، وشباب وشيوخ، مَلَّوا العيش في مملكة الأوهام الإسلامية وهم ينظرون إلى أفاق جديدة للعيش والتطور الذاتي.
أما القراء العصابيون الذي يعيشون في أنفاق العقيدة فلا رجاء من ورائهم ولا أمل.
8.
من كتب العفيف الأخضر الأخرى:
- إصلاح الإسلام: بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
- من نقد السماء إلى نقد الأرض
- إصلاح اللغة العربية
- رسائل تونسية
وغيرها.




جذور الثقافة الدينية القمعية للدولة العربية [2]: تاريخ الاستحواذ على السلطة

كلُّ سُلْطة مُفْسِدةٌ- أمَّا السُّلْطَةُ المُطْلقة فهي مُفْسِدٌة بصورة مُطْلقة!

1.
إن تاريخ الدولة العربية (وهي إسلامية العقيدة منذ اللحظة الأولى لظهورها) وحتى اللحظة الراهنة هو تاريخ للقمع والاستحواذ الشامل على السلطة.
فثقافة "السلطة المطلقة" هي ثقافة ذات جذور دينية في التاريخ العربي - الإسلامي.
2.
يقول لنا التاريخ الحقيقي (وليس التاريخ الأدبي للإسلام) بأنه ما خلت سلطة عربية/ إسلامية من القمع الرسمي للمعارضين سياسياً وللمختلفين دينياً. وأن ثقافة القمع التي يمارسها "أصحاب السلطة" والخاضعين لهذه السلطة أرسى "تقاليد" الاغتيالات وهذا ما تكشف عنه قائمة الاغتيالات الطويلة لرؤوس السلطة.
3.
يسرد الكتَّاب المسلمون عدة محاولات اغتيال لمحمد. بل أن موته مسموماً من الاحتمالات الشائعة في كتب المسلمين. وهذا ما يتعلق أيضاً بموت أبي بكر. فموته مسموماً هو من الأخبار التي تناقلتها الكتب الإسلامية.
ومن أجل إبعاد الشبهات عن مسؤولية المسلمين في تسميم محمد وأبي بكر فقد قرر "الرواة" تلفيق "حدوتات" عن مسؤولية اليهود في هذه الاغتيالات.
ومن "الطريف" - إذا كان في الأمر متسعاً من الطرافة، هو أن طريقة اغتيال أبي بكر تكرار ممل لطريقة اغتيال محمد!
وإذا كانت أخبار هذين الاغتيالين من الأخبار التي لم تحظ بــ"الإجماع" فإن اغتيال عمر وعثمان وعلي قد "أجمع" هواة الإجماع عليها!
إذ قتل عمر بن الخطاب بخنجر أَبي لُؤْلُؤَةَ؛ وعثمان بن عفان قتل بهمجية بسيوف "المسلمين" الغاضبين؛ ولم يخرج علي بن أبي طالب بموته عن التقاليد الإسلامية. فقد قتل بسيف عبد الرحمن بن ملجم في أثناء الصلاة أمام مئات الناس من أنصاره.
وبعد تصفية "الخلفاء" الذين كانوا أبعد عن الرشد فإن خلفهم من "الخلفاء" لم ينجُ منهم الكثير:
فقد قتل عبد الله وطلحة بن الزبير في حروبهما مع يزيد بن معاوية ومن ثمن عبد الملك بن مروان؛ مروان بن الحكم : يقال أن امرأته خنقته بمخدة؛ عمر بن عبد العزيز : يُعتقد أنه مات مسموماً؛ الوليد بن يزيد - قطّع بالسيوف؛ إبراهيم بن الوليد: مات غرقاً؛ مروان بن محمد - قتل بالسيف؛ السفاح :قيل سمَّ ولم يصح، وقيل مات بالجدري؛ المهدي: مات مسموماً؛ الهادي: دفع بعض جلسائه الى جرف النهر على سبيل اللعب فتعلق المدفوع به، فماتا كلاهما لأن الهادي وقع على أصول قصب [فارسي] قد قطّع فدخل في مخرجه فكان سبب موته، الهادي مات مسموماً (وثمة من يعتقد بأنه مات خنقاً) من قبل أمه الخيزران لأنه قرر جعل ولاية العهد لولده جعفر وخلع هارون الرشيد من ولاية العهد؛ هارون الرشيد: يقال أنه مات بسبب علاج خاطئ من طبيبه؛ الأمين: قتل بالسيف؛ المتوكل قطّع بالسيوف ؛ المنتصر: يعتقد أنه مات مسموماً؛ المستعين: قتل بالسيف؛ المعتز: أدخل في الحمام وأغلق [عليه] حتى مات؛ المهتدي : قتل بخنجر؛ المعتمد: يعتقد بأنه مات مسموماً، وقيل وقع في حفرة ملئت بالريش فاغتّم ، فمات؛ المقتدر: قطع بالسيوف؛ المنذر : قيل سمّه أخوه في مبضع؛ هشام المؤيد : قتل خنقاً؛ المهدي: قطع بالسيف؛ سليمان بن الحكم: قطع بالسيوف ؛ المستظهر: قتل بالسيف؛ المستكفي: مات مسموماً؛ القاسم بن حمود: مات خنقاً[ثامن خلفاء الأندلس، وثاني حكام بني حمود]؛ علي بن حمود: قتل بالخناجر.[ الناصر لدين الله أبو الحسن علي بن حمود -سادس خلفاء الأندلس، وأول حكام بني حمود،]؛ يحيى بن علي بن حمود: قتل بالسيف؛ حسن بن يحيى بن علي بن حمود: مات مسموماً . ..
والقائمة لم تنه لا آنذاك ولا الآن!
4.
وإذا ما قرر المؤمنون اختيار منطق المغالطات التاريخية كعادتهم وإن يخدعوا أنفسهم بخرافات العدالة الإسلامية وأن يختلقوا ما شاءوا من الاستثناءات كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز مثلاً بالنسبة للسُّنة – وهو أمر سيرفضه الشيعة من غير شك أو تردد، واضعين خلافة علي ابن أبي طالب فوق الجميع وفوق النقد والشبهات – فهو المعصوم الأول، فإن تاريخ حكم السنة والشيعة (الدول الفاطمية) الرسمي يقول لنا عكس ذلك.
5
فكيف حدث هذا؟
ما هي جذور ثقافة القمع التي تحملها الدولة العربية عميقاً في كيانها التاريخي؟
مهما حاولنا التغاضي عن الحقائق، ومهما سعينا إلى تلميع صفحة الإسلام وتبرأته مما حدث ويحدث الآن، فإنه هو العامل الحاسم والداخلي لظهور ثقافة السلطة المطلقة – وكل ثقافة مطلقة هي ثقافة قمع.
لكن نظام السلطة المطلقة (الذي بدأ بنظام الخلافة) في الإسلام له خصائص تميزه عن باقي أنظمة السلطة المطلقة الأخرى.
إذا ما أخذنا التاريخ الأدبي للإسلام وقرأناه بتأنٍ ومن غير قدسية فإنَّ أول شكل للدولة ورغم تخلفه قد ارتبط بالمكانة اللاهوتية للحاكم. والبداية كانت ما يسمى بالخلافة.
وقد أرست المكانة التي منحها المسلمون للخليفة أُسُس البنية المطلقة والمقدسة للحكومة العربية المعاصرة.
أما ما يقوله المسلمون عن "الشورى" و"العدل" و"حكم القانون" وغيرها فهي محض خرافات.
فسلطة الحكم الإسلامي تستند إلى عدة أسس هيكلية لا تقبل المساومة تحدد دكتاتورية هويتها الأساسية:
أولاً، الإسلام دين الدولة. وإن هذه المكانة المتميزة للإسلام ليست اختياراً. فـ"الدين عند الله هو الإسلام"، وكما جاء في تفسير ابن كثير:
"إن الدين عند الله الإسلام) إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثته محمدا صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل. كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [وهو في الآخرة من الخاسرين]) [آل عمران: 85] وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: (إن الدين عند الله الإسلام).
ثانياً، الإسلام هو دستور الدولة. وهذا يعني أن الشريعة مصدر أساسي للتشريع.
ثالثاً، إن إطاعة الحاكم فرض ديني تم تشريعه في القرآن:
"يأيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم"
وهذه شروط "ذهبية" لظهور الطاغية!
6.
فمن هو الخليفة؟
"فالخلافة أو الإمامة أو الإمارة هي خلافة عن النبي (ص) في حراسة الدين والدنيا وذلك بحمل الناس على مقتضى النظر الشرعي وهي من أصول الدين إذا أريد بها تحكيم شريعة الله وهي من فروعه إذا أريد بها النظام السياسي كوسيلة لتحكيم شرع الله"*
والخليفة هو الإمام الأكبر ورئيس الدولة وولي الأمر، وطاعته واجبة بهذه الآية ومن ثم فوجوده واجب وبيعته واجبة لأن البيعة عي عهد الطاعة وتنفيذ شرع الله *
إذن، الخلافة حكم ديني والخليفة حاكم يخلف محمد – فهو يحمل مكانته ويكتسب هيبته.
"وفي الحكم المدني يكون الحاكم شخصاً غير معصوم ولا مقدس، بينما يكون في الحكم الديني معصوماً مقدساً، ولو كان ذلك بحكم الواقع De facto خلافاً لحكم الدين. وفي الحكم المدني يكون أمر الحاكم أو قضاؤه غير معصوم ولا مقدس، بينما يكون – هذا وذاك – في الحكم الديني معصوماً مقدساً، وإن كان ذلك بحكم الواقع De facto** خلافاً لحكم الشرع"** "وبالتالي فإن حكم الدين – باعتباره وجود حكم ديني – يكون بإنشاء أمة أو أمم أو نصب رياسة أو رياسات، لكنه لا يكون بتحديد شكل الرياسة في نظام بذاته هو الخلافة الإسلامية أو غيرها. وقد بدأت الخلافة الإسلامية – بهذا المفهوم المحدد – مجرد رياسة للجماعة التي كانت قد تكونت في وقتها. وكان الرئيس خالفاً للنبي (أي يليه في الوقت ولا يرث حقوقه) ثم انزلقت الخلافة إلى أحداث وتعبيرات انحدرت بها إلى أن أصبحت نظاماً دينياً، خلافاً لحكم الدين وحكم الشرع. فلقد صار الخالف للنبي خليفة للرسول، ثم خليفة الله، ونور الله، وظل الله: وهي صفات تفاعلت مع الواقع وأثرت فيه فجعلت من الخليفة شخصاً معصوماً لا يحاسب، مقدساً لا يساءل"**
"فما دام الخليفة مختاراً من الله، وما دام قوله قول الله وفعله هو فعل الله وحكمه هو حكم الله، فلا مجال لأي فكر سياسي ينظم طريقة اختيار الخليفة، ونظام عمله، وحقوقه والتزاماته، وكيفية عزله . . وهكذا. كذلك لا يمكن – بطريقة جدية غير نظرية – وبأسلوب فعلي غير جدلي – تنظيم حقوق المواطنين والتزاماتهم العامة (وربما الخاصة)؛ إذ لا يوجد لأي فرد كائناً من كان حق أمام الخليفة، وليس على الخليفة أي التزام قبل أي شخص، لأن الناس جميعاً عبيد له وإماء لحضرته، أرواحهم ملكه يزهقها حين يريد، وأموالهم له يستبيحها كيفا يرى"**

هوامش:
*الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديموقراطية، المستشار سالم البهنساوي، القاهرة 1991 الصفحات 75 و85 على التوالي
** الخلافة الإسلامية، المستشار محمد سعيد العشماوي، القاهرة 1992، الصفحات 22 و23 و25 على التوالي
*** De iure وDe facto مصطلحان لاتينيان يعنيان على التوالي بحكم القانون وبحكم الواقع – أي بحكم الأمر الواقع.

للمقال بقية . . . .

الاعتقاد الإسلامي من أسوء أنواع سقوط العقل البشري

سقوط من أعلى
[السقوط اللانهائي .. .. ... ...]



1.

لقد مر العقل البشري خلال تاريخ تطوره الطويل بانهيارات وحالات سقوط لا عدَّ لها ولا حصر.
إنَّهُ نوع من التسلق الشاق على سفوح عمودية لجبال وعرة كَؤودة تمزق أصابع اليد وتُدْمِي الأظافر. وحين ينظر الإنسان العاقل من القرن الحادي والعشرين إلى هذا التطور المديد للعقل فإنَّ عليه وبقدر ما يفخر بهذا الإنجاز التطوري فإنَّ عليه الدفاع عنه والمحافظة عليه.
2.
ولم تكن انهيارات العقل على طريق الرحلة المضنية الذي قطعته البشرية إلا نتيجة لعدم توفر ما يكفي من المعارف الأصيلة الواقعية "العلمية" لتغذية عمل العقل وتطوير القدرات البشرية على الإدراك والتفكير النقدي والتحليل والتجريد والتوصل إلى خلاصات ونتائج عملية تستجيب لقوانين التطور والطبيعة.
ولكن هناك نوع آخر من الإنهيارات:
رفض الكثير من الناس قبول التطور والنزوع إلى العودة إلى الماضي ومعاداة العلم .
3.
إنَّ غياب المعارف شرط موضوعي قد دفع بالبشر في مراحل مختلفة من التطور وفي تجمعات بشرية مختلفة إلى خلاصات خاطئة وتصورات خرافية تتعلق بالذات والكون والطبيعية ودفعتهم إلى الوصول إلى "الاعتقاد" بوجود قوى غيبية تحرك الوجود الإنساني والطبيعي وعوالم هي خارج العالم الواقعي يذهب إليها البشر حالما ينتهي وجودهم على الأرض!
إن هذا النوع من "الاعتقاد" لا يزال قائماً وسط الكثير من القبائل الإفريقية والقبائل التي تقطن على ضفاف الأمازون مثلاً.
لكننا لا يمكن – وبأي حال من الأحوال – أنَّ نصف حالة هذه القبائل بـ"سقوط العقل". لأنَّ سكان هذه المناطق على معرفة مدهشة بالطبيعة التي تحيط بهم وقادرون على الإيغال في هذه المعرفة.
بكلمة واضحة: أن معارفهم تنسجم مع الشروط التاريخية البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي يعيشون في إطارها.
إنَّ "تخلفهم" العلمي يستجيب إلى هذه الشروط التي يمرون بها من جهة؛ وهم لا يتخلفون عن هذه الشروط من جهة أخرى.
4.
ومهما مر البشر بانتكاسات في طبيعة التفكير وقدرات العقل غير أنَّ من أسوء أنوع سقوط العقل والإنسان ذاته على حد سواء هو "الاعتقاد" الديني.
وبالرغم مِنْ أنَّ دينين إبراهيميين كاليهودية والمسيحية (الحق أنني لا أولي أية أهمية لمصطلح "الدين الإبراهيمي" ولا استخدمه إلا لأنَّ المسلمين يصرون عليه. ولهذا فإنَّ مقارنة تطور مجتمعات المسلمين "الإبراهيمية" مع المجتمعات اليهودية والمسيحية له مسوغات موضوعية) لا يزالان منتشرين فإن لمقارنتهما مع الإسلام لها مصداقية تاريخية.
لقد خضعت جلُّ هذه المجتمعات ذات "العقيدة الإبراهيمية" إلى قوانين التطور الحضاري – العلمي كمجتمعات حية، مثلما خضعت اليهودية والمسيحية، كعقيدتين دينيتين، إلى الدراسة العلمية الأكاديمية ولم تعد مناقشتهما الجذرية "تابو" وخضوعهما للبحوث المقارنة والأنثروبولوجيا الثقافية؛ كما تمت دراسة أدق التفصيلات المكونة للعهدين القديم والجديد والبحث عن أصولهما الثقافية والعقائدية من خارجها في الثقافة السومرية والأكدية مثلا.
5.
لكن "الاعتقادات الإسلامية" السنية والشيعية – وهذا ما يميزها كعقيدة عن باقي العقائد قد حوَّل لاهوتُها الخرافاتِ السقيمةَ والأوهامَ السخيفةَ إلى مبادئ "عقلية!!!" ونَظَرَت للتخلف باعتباره قيمة إيجابية وأخلاقية وثقافية محمودة!
إنه سقوط مريع للعقل و" نَسْخٌ" شاملٌ للتطور خلال القرون الأربعة عشر المنصرمة.
إنها عقيدة تعمل ببطء ولكن باستمرار من أجل تغييب العقل – وهم على استعداد (أنصاف المتعلمين وخريجي الجامعات عن طريق الامتحانات الشكلية) لكي يقبلوا منطق الأعراب من القرن السابع، وبمقدمتهم محمد شخصياً، والذي ينشره تيوس اللاهوت بأنَّ العقل في القلب!
6.
وخلافاً للقبائل الإفريقية والأمازونية فإن الحال مختلف تماماً في حالة المسلمين.
فجلُّ المجتمعات الإسلامية تعيش في شروط الحضارة المعاصرة جسدياً وتعتاش بالكامل على "منجزات" العلم والتكنولوجيا في مختلف مجالات الحياة لكنها ثقافياً وعقلياً تعيش في شروط القبائل المتخلفة!
المسلمون ينظرون إلى الوراء:
هناك في الماضي المتخلف؛
عقيدة القرون الثلاثة!
وإن هذه العقيدة لا تعني غير الخوف من الحاضر والمستقبل؛ لا قيمة للتطور ولا مناص من العودة إلى الوراء - إلى عصور السلف. فالنكوص "العودة إلى الوراء" هو "الخَيْرُ" والتقدم إلى الأمام هو "الشَّرُ"!
وكل هذا يحدث من خلال عبادة "النصوص" و"الموتى" التي تحجب عنهم رؤية الوقائع والعالم الذي يضج حولهم والأحياء فيه.
فالفهم الحرفي للنصوص والتطبيق الببغائي لمضامينها والسجود الذليل والأمعي أمام قبور فارغة حوَّل المسلم إلى جزيرة منعزلة عن التطور العام للبشرية. وإنَّ حصول المسلم على معارف علمية حقيقية وقبولها (وليس معلومات عن العلم واستهلاك منتجات العلم) لا يمكن أن تستقيم مع عقائد الإسلام بأي حال من الأحوال.
وإن ادعى بأنه مسلماً فقد تستر على أنه منافقاً!
وأنْ كان صادقاً فإنه من غير شك قد ودع الإسلام منذ زمن بعيد!
7.
هذه هي مفارقة الوجود الإسلامي:
الوجود الجسدي في الحاضر – أما ما تبقى من العقل فإنه يفكر كمن يعيش في القرن السابع الميلادي!
فهل ثمة إرادة في هذا السقوط العقلي والثقافي؟
8.
"الله" مخاوف بدائية:
من المثير للسخرية والعجب أن "يؤمن" المرء بأنه يؤمن بـ"إرادته" الحرة!
فهذه سذاجة عقلية جديرة بمسلم فقط.
إنَّ "الاعتقادات" - وكل اعتقاد خرافة (ومن بينها الخوف من شيء اسمه الله!) لا تختلف قيد شعرة عن الخوف من الأماكن المغلقة Claustrophobia، والخوف من الظلام Nyctophobia ، أو الخوف من الأماكن المرتفعة Acrophobia؛
هي "مشاعر" لا يمتلك الإنسان أية إرادة في ظهورها. إنها "مشاعر" مضببة وغير مدركة؛
إنها من بقايا "إرث" قديم من حياة الإنسان البدائي الذي لم تتوفر لدية المعلومات الكافية لكي يدرك بأن الظلام ليس "كياناً خرافياً" يمكن أن يبلعه في أية لحظة وليس الأماكن العالية غير حالة طبيعية تعبر عن اختلاف مستويات الأمكنة التي نكون فيها ولا تشكل خطراً على حياتنا إن أدركنا طبيعتها.
إنها مشاعر غامضة متغلغلة في العقل الباطن.
وإن دور "الإرادة" يكمن في السيطرة عليها والتخلي عن المخاوف النابعة منها.
وإلى حد ما يتعلق الأمر بالإرادة فهي من خصائص العقل العلمي وليس الإيمان – ليس في الإيمان إيُّ نوع من الإرادة.
وإذا ما استخدمنا "العقل" على "طريقة" المسلمين" والجهود الذي بذلوها في إضفاء "العقلانية!" على خرافات محمد فإنَّ نجاحهم سيكون مساوياً بذات الدرجة لو قاموا ببذل ذات الجهود بالعلاقة مع الخوف من الأماكن المغلقة والظلام والأماكن المرتفعة، ولوجدنا أمامنا "عقائد" دينية تمجدها وترفع من شأنها باعتبارها مشاعر مقدسة!
9.
الإرادة هي في رفض الإيمان:
إن المسلم (والمسلم العصابي المهوس بشكل خاص) هو شخص مُسَيَّر لا إرادة له وهو كالسائر في نومه الذي يعاني من اضطرابات somnambulism.
[هذه هي العقيدة: المشي على هاوية السقوط تحت ضوء القمر!]

فهو لا يعرف، بل ولا يدرك طبيعة الوضع الذي هو فيه ويعاني منه:

هكذا وجد نفسه، وهكذا من الممكن أن يعيش إلى أخر لحظة من عمره الضائع مسبقاً.
ولكي يستطيع الشخص الذي يعاني من هذا النوع من الاضطرابات (الخوف من خرافة "الله") التخلص منها فإنه يحتاج إلى إدراك هذا الاضطراب؛ وأن يعترف به أمام نفسه؛ وإن يمتلك الإرادة لكي يتخلى عن هذا الخوف ويحرر نفسه من عبودية الأوهام إلى حرية العقل.
10.
إرادة الحرية:
وهذه الخطوة: [الإدراك وإرادة التحرر] تؤدي إلى خارج عقائد الإسلام الخرافية ومغادرة مستنقع الدين إلى العالم الرحب.
هذه الخطوة قد قام بها الآلاف من المسلمين ويقوم بها كل يوم مسلمون جدد.
ليس للعبودية إرادة.
فالعبودية خضوع إمَّا بقوة خارجية أو عن طريق الأوهام والخرافات.
الإرادة الوحيدة هي النزوع إلى التحرر من أوهام "الله" والتخلص من العبودية وإنهاء الخضوع للخرافات.

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر