منع

من محمد الايمان إلى محمد التاريخ

قانون طبيعي (في طور الاكتشاف):
إذا لعن مسلمٌ (بالأسلوب المعتاد: أسلوب الابتذال والانحطاط) كِتَابَاً وكَاتِبَهُ في حياته ومماته فإن على القارئ أن يكون واثقاً بأن هذا الكتاب قد سبب له ما يكفي من الآلام "الروحية". ولأنَّ تصوره عن "الروح" سخيف ومربك ومفكك فإن هذه الآلام لن تطهره من أخطاءه ولن تزيده إلا ابتذالاً وانحطاطاً.

الكتاب هو: من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ.
والكاتب هو: الراحل العفيف الأخضر [1934-2013]
1.
لم يتم نقد الدين نقداً جذرياً حتى الآن:
يقول العفيف الأخضر في مقدمته لكتاب لينين " نصوص حول الموقف من الدين، 1972 بيروت":
- من مفارقات تأريخنا الحديث، وهي تستعصي على العد، ان هذا الشرق الذي ولد فيه الدين لم يلد فيه ٬ في تأريخه الحديث، نقد الدين. لأن الطبقات الصاعدة التي تجرأت على نقد الدين في تأريخ أوربا الحديث لم يعرفها تأريخنا الحديث الا كطبقات مجهضة تخشى النقد والثورة أكثر مما يخشاهما رجال الدين ورجال الدولة أنفسهم"[ص:6]
- " معظم ما صدر حتى الآن عندنا تحت عنوان نقد الدين، جدير بأن يصنف دون حرج تحت عنوان دعم الدين"[ص: 23]
- " اما الاسلام المُكَبَّل بالطقوس المُشِلَّة والتفكير الخرافي فانه لم يتعرض في تأريخه الحداث الى أي محاولة جدية لتطهيره من الطقوس المعطلة للنشاط الانساني [...] هذا فضلا عن الطقوس البربرية في بعض المناسبات الدينية والتبذير المخيف على قبور الأولياء ومزاراتهم …"[ص: 32]
2.
لا حاجة للكلام كثيراً عن موقف العفيف الأخضر من الدين، فهي قضية واضحة:
نقضه ونقده بصورة جذرية (وليس كما يُخَرِّف بعض أنصاف المتعلمين: نقداً بناء!). فنقد الدين لا معنى له إذا لا يكون بغير الهدم.
وإنَّ هذا الموقف الجذري غير المهادن من الدين – والدين الإسلامي بالذات (لأن المسيحية قد مرت بطور النقد الجذري) هو ما يستحق لعنة أنصاف المتعلمين.
في مقدمته لكتاب" من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ، 2014، كولونيا/ألمانيا" يقول العفيف الأخضر:
" هدف هذا البحث، القصير، كبيرٌ: انتزاع نبي الإسلام من التخاريف وإعادته إلى التاريخ"
وهذه هي واحدة من أكبر مصائب السيرة الأدبية الإسلامية وهذا ما يقوم به مجاهدو المنتديات:
تحويل "التخاريف" والأساطير المتعلقة بمحمد والإسلام إلى تاريخ معتبر – رغماً عن أنف الجميع - ومن بين "الجميع": التاريخ الواقعي وليس الميتاتاريخ على حد قول العفيف الأخضر.
ثم يواصل:
"عبر القرون تكونت لنبي الإسلام 3 صور: صورة الرسول المبلغ الأمين لرسالة الله عبر جبريل؛ صورة المفتري، الذي يدعي النبوة، التي حصرتها التوراة في ذرية إسحاق، والحال أنه من ذرية إسماعيل، إذن هو طريد منها؛ صورة الزعيم الماكر الذي أراد الرئاسة وجمع المال" [ص:5]
3.
غير أن الكاتب يرى بأن جميع هذه الصور مغلوطة ولهذا فهو يسعى إلى تصحيحها استناداً إلى "المعارف النفسية" بهدف تقديم صورة محمد الحقيقية وهي صورة "تجعله لا يختلف عن جميع أسلافه وأخلافه من الأنبياء، أنبياء معبد عشتار، في القرن 7 ق.م، إلى أنبياء ساحل العاج وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في القرن العشرين، مروراً بأنبياء إسرائيل" [ص:6]
فالقاسم المشترك بيم جميع هؤلاء "الأنبياء" – وثمة الكثير غيرهم كما يعرف القارئ هو: الأعراض السريرية: "هذيان النبوة" من وجهة نظر الطب النفسي.
إذن "النبوة" هي الاسم الآخر للهذيان المرضي!
ولهذا فإن العفيف الأخضر يرفض ذهنية "التقديس" الساذج لمحمد والتي تسود بين المسلمين. فهي لم تعد ملائمة للذهنية الحديثة النقدية:
"التقبل الأعمى لكل ما ترويه السيرة عن معجزات محمد، ينبغي أن يُخَّلي مكانه للارتياب، للبحث والتنقيب؛ لاكتشاف أن التصديق بهذه المأثورات هو من تأثير الانبهار الأعمى بها، واستقالة الفكر النقدي أمامها، اللذين يُلغيان كل مسافة نقدية منها" [نفس المصدر السابق]
باختصار:
ضرورة القطيعة مع التفسير العامي الساذج، وهو في رأي الكاتب "تفسير عامة المؤمنين بمن فيهم قطاع النخب التقليدية أو ذات الذهنية التقليدية، للنبوة لإدخال التفسير العلمي، الطب النفسي، لها. مفهوم النبوة العامي بما هو "صوت من الغيب" حامل لحقائق عابرة للتاريخ، أي صالحة لكل زمان ومكان، لا يستطيع العقل البشري إلا التقيد بها وإلا ضاع وأضاع "[ص:11].
4.
النبوة هذيان:
يرى العفيف الأخضر، بأن مفهوم النبوة العلمي، هو:
هذيان التأثير – أي: هذيانات وهلاوس صادرة من دماغ بشري مستوجب للعلاج. إذ أن الشفاء من هذيان النبوة اليوم هو في متناول الطب، خصوصاً عندما يكون المرض في بدايته.
من الأسئلة (التي تستحق اللعنة) التي يطرحها العفيف الأخضر:
إنَّ محمداً لم يتردد في التصريح بأنَّ أمه وأباه وكل أعضاء عائلته، الذين لم يؤمنوا به، في النار.
فكيف يكونون قد اكتشفوا باكراً نبوته، أو على الأقل بركته، ومع ذلك فضلوا الكفر على الإيمان والنار علة الجنة؟!
5.
الوحي = الهلاوس:
كتاب محمد، وفي حالة القراءة النقدية والمتعمقة "وثيقة طبية عن نفسية نبي الإسلام". ويقارنه العفيف الأخضر باعترافات جان جاك روسو (كتاب "اعترافات" الصادر1782) حيث كشف في لحظات شكوكه المتكرر في إيمانه برسالته، وعن ضيق صدره بالقرآن التي تعبر عنها أية: "فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك، وضائق صدرك". كما أنه كان في نيته في "افتراء" قرآن آخر، على غرار الآيات الشيطانية، طمعاً في استرضاء مثقفي مكة، الذين طالما أحرجوه بسؤال المعجزة، عسى يستريح من شقاء العزلة النفسية، التي لا تلطف وقعها الأليم على نفسه الجريحة إلا الهلاوس. إذ أن وظيفة الهلاوس هي تطمين المهلوس لتخفيف عزلته وقلقه. لذلك يكون انقطاعها، أي انقطاع الوحي، مصدر شقاء ما بعده شقاء له. إذ تتركه وجهاً لوجه مع عذابه النفسي، ومع العنف النفسي، الذي كان يكابده يومياً، بسبب استهزاء قريش به" [ص: 17].
6.
ويخلص الأخضر في مقدمته بأن قارئين سيتأكدان من هذه النظرة المحايدة لمحمد التاريخ:
"القارئ الخبير والقارئ النابه. وإليهما كتبت هذه البحث، الذي كشف عن جوانب من الحقيقة: حقيقة نبي الإسلام؛ عسى أن يساعدهما على المضي قدماً لكشف جوانب أخرى من حقيقة أوسع وأعمق برسم الاكتشاف، سواء في شخصية نبي الإسلام أو في شخصيات حلفائه الراشدين، وخاصة عمر الذي هو المؤسس الحقيقي للإسلام، مثلما كان بولص هو المؤسس الحقيقي للمسيحية. عمر نشر الإسلام، خارج شبه الجزيرة العربية، بالسيف، أما بولص فقد نشر المسيحية، خارج فلسطين، ببناء الكنائس".
وإذا أتفق مع الفكرة الأساسية في هذا الاقتباس، فإنَّ المسيحية قد فرضت هي الأخرى بالسيف وملاحقة المعارضين والمخالفين منذ أول مجمع مسكوني.
7.
والحق أنَّ عليَّ أنْ أضيف قارئاً ثالثاً يستحق الاهتمام:
هم المسلمون الذين لم يودعوا عقولهم ويجاهدون بصمت من أجل التغلب على خرافات الإسلام السني والشيعي التي تطوقهم من جميع الاتجاهات؛
إنهم رجال ونساء، وشباب وشيوخ، مَلَّوا العيش في مملكة الأوهام الإسلامية وهم ينظرون إلى أفاق جديدة للعيش والتطور الذاتي.
أما القراء العصابيون الذي يعيشون في أنفاق العقيدة فلا رجاء من ورائهم ولا أمل.
8.
من كتب العفيف الأخضر الأخرى:
- إصلاح الإسلام: بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
- من نقد السماء إلى نقد الأرض
- إصلاح اللغة العربية
- رسائل تونسية
وغيرها.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر