مقدمة:
منْ مظاهر إفلاس المسلمين طرح الأسئلة التي يعجزون هم أنفسهم عن تقديم إجابة أخلاقية عليها.
والإجابة الأخلاقية هي تلك التي يحترم المرء فيها الآخرين وألا يردد كالببغاء ما "يؤمن" به فحسب.
فالإجابات الإيمانية ليست إجابات لأنها تستند إلى استدلال دائري – وهو منطق فاسد:
"الله “موجود لأن "الله" قال في القريان . . . إلخ
هذه هي الإجابة اللاأخلاقية.
أما الإجابة الأخلاقية هي الإجابة التي تستند إلى محاكمات عقلانية (وليس عقلية – أي لا عقلانية!) تتضمن ما يكفي من المصداقية لكي تقنع إنساناً آخر من غير إيمان.
فأن تقنع مؤمناً بعقيدة خرافية بصحة هذه العقيدة لهو نوع من الابتذال واللف والدوران حول الإيمان الذي لن ينتج شيئاً يستحق التأمل والتفكير.
1.
فالمسلمون (وخصوصاً أنصاف المتعلمين) يجيبون على سؤال: ما هو مصدر الحياة والكون، بأن "الله" هو الخالق والمميت والمهيمن والعنيد. وإجابتهم هذه تستند إلى إيمانهم الديني التسليمي (سنة وشيعة من جميع الطوائف الخرافية) بوجود خالق اسمه "الله". وهم لو كانوا يؤمنون بـ"الفيل الطائر"، لقالوا إن الفيل الطائر هو الذي خلق الكون بقدرته تعالى.
2.
إذن، لم يفكروا ولم يدركوا كيف حدث هذا الخلق (لا أعني هراء الأيام الستة وخرافة آدم). فطالما قرروا منذ البداية بأن "الله" حقيقة لا تحتاج إلى بحث ونقاش، إذن، هذا الـ"الله" خالق كل شيء: الطبيعة والبشر وكل الظواهر التي تحيط بنا.
والقضية تصح بنفس "القوة" و"المصداقية" على الفيل الطائر – أو أي كائن أسطوري آخر نقرر أنه تلك "القوة" الخالقة للكون!
إنهم يحاربون الجميع وبصورة مستميتة للبرهنة على "صحة" الخرافات!
هذا هو هوسهم المحموم:
صحة الخرافات!
3.
وهذه إجابة فاسدة.
فكيف عرفوا أن ثمة خالق؟
لأنَّ البعرة تدل على البعير والبعير يدل على الخالق؟!
بل ولن أهرب من ذكر ما “يبدو” للوهلة الأولى أنه أكثر عقلاً وحصافة: “الأدلة العقلية"!
فهذه الأخيرة أسوء من دليل "البعرة والبعير". فالبعرة والبعير لهما حضور بصري يمكن التحقق منه وبأن للبعير بعرة حقاً.
إلا أن المشكلة هي أن هذا الدليل لا يبرهن إلا على وجود "بعير" ما فقط – بل وهو دليل مدهش على أن البعير يَبْعَرُ!
فهل أنتم رَجِيعُ اللهِ أيها المسلمون؟!
وهذا هو حال الأدلة العقلية:
"الله" موجود لأنه واجب الوجود!
لا شيء غير المسخرة.
4.
وعندما فشل المسلمون بدليل "البعرة والبعير" – وهي المعادل الموضوعي "للأدلة العقلية" التي لم يقنعوا بها أحداً غير أنفسهم والسذج من أنصارهم فقد قرروا أن يولوا وجوههم صوب أكاديميات العلوم ومجلاتها.
فشرعوا بالبحث في حاويات المزابل في الزوايا الخلفية من أكاديميات العلوم بحثاً عن دليل ما – رغم أنهم يكرهون العِلْم أكثر من أي شيء آخر.
وحالما يعتقد نصف المتعلم بأنه قد عثر على “دليل!" – وهو لا يتضمن غير فرضية تم رميها في سلة المهملات، أو سوء فهم للفرضيات العلمية القائمة، أو أن يقوموا كالعادة بلوي عنقها واغتصابها، كما يبشرون بعقيدة اغتصاب - نكاح الأطفال، يأخذون بالصراخ حتى يصل صراخهم إلى عنان السماء:
ها هو البرهان على وجود "الله"!
ولنْ يَمُرَّ إلَّا يوم أو يومان – أسبوع أو أسبوعان حتى ينسوا دليلهم الأحمق ويشرعون من جديد بالبحث عن فتات أدلة في حاويات مزابل الأكاديميات العلمية لعلهم يجدون هذه المرة "دليلاً" يستحق الاحترام.
5.
لنفترض – والافتراض ميزة للثقافة العلمية:
"أنَّ نظرية الانفجار العظيم قد فشلت وتمت البرهنة على زيفها . . ."
و"أنَّ نظرية التطور الداروينية لا قيمة لها في وصف ظواهر التطور في الحياة الحيوانية والنباتية وقد هجرها العلماء والناس على حد سواء . . ."
و"أنَّ قوانين الطبيعة الفيزيائية عاجزة عن تفسير ظواهر الحياة المادية في الماضي والحاضر – وهي في أحسن الأحوال أفكار منفصلة قَدْ تَصُح وَقَدْ لا تَصُح . . ."
و"أنَّ ثمة روح لا علاقة لها بالجسد – وأقل ما تكون مجرد تسمية أخرى للوعي وهي وظيفة للدماغ البشري . . ."
و"أنَّ علماء الطبيعة والكونيات قَدْ اكتشفوا أنَّ الانفجار العظيم، في حقيقة الأمر، قد سبقه سبب واضح لكنهم لا يزالون يجهلون طبيعته وتأثيره . . ."
6.
لنفترض كل هذا الهراء ومعه الشيء الكثير مثل الهراء التالي:
أنَّ المَهْدِي المُنْتَظرَ حقيقة أثبتتها فيزياء الكم (كما يدعي البعض منهم)، مثلما أثبت العلم مصداقية غيبة الأئمة وظهورهم من جديد فيما بعد . . .
وأنَّ حولنا تتراقص – أو تتطاير السعالي والملائكة والجن والشياطين والطناطل حيث يأخذ كل واحد منهم بتلابيبنا يدفعنا هذا إلى الخير، ويدفعنا ذاك إلى الشر ونظل نترنح بينهم كالسكارى وما نحن بسكارى . .
وأنَّ الدعاء إلى الأنبياء والأئمة المعصومين والصالحين وسيلة لتحقيق المآرب والأحلام؛ وحصول الكسالى على الشهادات؛ ويقع السقف على الجيران الذين يعادونا؛ ويخسر فريق كرة القدم المنافس (وكل لاعبيه مسلمون!) وغيرها من سخافات الدعاء. . .
وأن الإيمان بقوة الكيان الغيبي الذي يسموه "الله" يفتت الصخور ويذيب الثلوج ويبخر المياه وينجي الناس من الفيروسات المميتة وكوارث الزلازل المدمرة والفيضانات الساحقة للناس والعمران والزرع . . .
وأنَّ كل ما يحصل في الكون: الطبيعة والبشر هو من فعل قوة غيبية تتصف بالكمال والحكمة قَدْ يكون لها علاقة بالسبب الذي اكشفه علماء الكونيات . . .
ويمكننا أن نمضي إلى ما لا نهاية بهذا النوع من الافتراضات:
وثم ماذا؟
7.
سواء صَحَّتْ كل هذه الفرضيات أم لم تَصُحْ فأن الحقيقة الوحيدة بالأمس واليوم وغداً والتي لا جدال فيها هو تصورات المسلمين البائسة عن أنفسهم والطبيعة والإنسان والتاريخ.
فهل يعتقدون بأن ثمة “اكتشافات علمية" يمكن أن تجعل هذه التصورات البائسة أكثرَ قبولاً وأقلَّ وحشية؟
وهل يعتقدون، حقاً، بأن العالم سيقبل لاهوتهم وتخريف كهنتهم المعتوهين لأن "س" من العلماء قد قرر بأن "ص" من الأسباب التي سبقت تكوَّن الكون؟
وهل يعتقدون وبعد 14 قرناً من الجرائم والإرهاب والقمع ومصادرة إرادة الملايين من البشر ومعاداة الآخرين والتخلف الشامل سوف يشفعه لهم العلم ويجعل منهم "معبودة الجماهير"؟
أين ودعوا هؤلاء البشر عقولهم؟
أما آن لهم أن ينزلوا إلى الأرض!
لأقسم بالبرتقال بالنعناع وزيت الزيتون؛
لأقسم بالشفق الحزين والليمون؛
بل أقسم بالبطيخ والفسنجون [هذا القسم على أسلوب "رب" العالمين]
لن أطيق دينكم وثقافتك المتوحشة ثانية واحدة حتى لو تم العثور على عشرات "الأدلة" على وجود "رب"كم!
8.
إنَّ المسلمين لا يميزون ما بين العلم والدين. بل هم لا يميزون ما بين أنْ يحولوا عقائدهم إلى أدوات للاستبداد وأنْ يقبلوا أو لا يقبلوا حقائق العلم.
الاستبداد الديني جريمة لا يمكن أن تُغتفر مهما كان موقف المستبد من العلم.
وإنَّ قبول وتبرير الدفاع عن اغتصاب الأطفال جريمة إنسانية لا يمكن أن تعلو عليها أية جريمة أخرى مهما كان موقف المُغْتَصِب من العلم.
فالغباء ورفض الحقائق حقٌّ من حقوق كل مَنْ يريد أن يكون غبياً ويرفض العلم؛
أما الاستبداد الديني والإرهاب وثقافة التوحش فهي جرائم تُعاقب عليها في أية دولة تحتكمُ إلى القوانين العقلانية والديموقراطية.
فإن قَبِل المسلمون مواضعات العلم واكتشافاته أم لا – هي قضية لا تخص غيرهم ولا تعني الآخرين طالما لا يمتنعون عن فرض الخرافات على الناس باعتبارها حقائق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق