منع

أغنية المخمورين!

هي أغنيةٌ اسْمُهَا "الحُبُّ"
نُغَنِّيهَا كأنَّنا مَخْمُورُونْ
أو في الحَمَّامْ!
أو كَأنَّنَا في حَفْلٍ موسيقيٍّ
نَفْتَعِلُ بِغِنَائِهَا،
نكون منها جزءٌ لا يتجزأ
نَطِيرُ،
مُحَلِّقَينَ فِي الفضاءْ
فَتَحْجُبُ عنَّا أنْفُسَنَا
وترتفعُ، عالياً، بنا،
كأنَّنَا مَخْبُولُونْ
وحين ينتهي الحفلُ،
وَيْنَفِرطُ الموسيقيونْ
وينقشعُ ضَبَابُ الوَهْمِ
يُفْتَضَحُ أَمْرَنَا:
إذ إنَّنَا وَحْدُنا،
نُرَدِّدُ ببلاهَةٍ أغنيةً لا غَيْرْ!



وحدة


1.
كُنْتُ فِي شِقَتِي
وَقَدْ فَارَقْتُ الْكَلامْ . .
أَنْظُرُ في وحْدَتِي،
وَجْهاً لِوَجْهٍ!
لا "نبيَّ يُجَالِسُنِي"،
ولا ربَّ يُضِيءُ الظَلَامْ
2.
ضَوْضَاءُ المَدِينَةِ تُقْلِقُ صَمْتِي
غَيْرَ أنَّ وُحْدَتِي تَتْسِعُ،
فَتَبْتَلعُ الضَّوْضَاءَ،
وَتَبْتَلعُ غُرْفَتِي ...
3.
أشْعُرُ بِخِفَّةٍ فِي جَسَدِي
أَرْتَفِعُ فِي سَمَاءِ غُرْفَتِي
فَيَنْهَمِرُ الضَّوْءُ،
وَكَأنَّ سِتَارةً، فَجْأَةً، تَرْتَفِعُ
فَيَغْشِي الضَّوْءُ بَصَرِي
وَأُغَادِرُ وِحْدَتِي!


الموت

مقبرة

الموت حَقِيقَةٌ أرْضِيَّةْ،
لا تَخْضَعُ لقوانين السَّمَاءِ أوْ حَرَكَةِ الْكَوَاكَبْ
هي حَقِيقَةٌ كَكُلِّ الحَقَائِقِ اليَوْمِيَّةْ،
تَكْتَفِي بِنَفْسَها،
لا تُفَسِّرُهَا النُّجُوُمْ،
ولا كُتُبُ العَقَائِدِ الإلَهِيَّةْ!
هُوَ بِبَسَاطَةٍ عِلْمِيَّةْ:
لا شَيْءَ آخَرَ غَيْرَ مُوتُ خَلَايَا الدَّمَاغْ،
كالشَّمْعَةِ يَنْطَفِأُ المّرْءُ ـ وَتَنْتَهِي الشَّخْصْيَّةْ!




هو اسم من الأسماء

شكل الهرم
1.
"هُوَ" اسْمٌ كَجَميعِ الأسْمَاءْ:
كهذا "الكِتَابِ"، وهذا "الفنجانْ"،
كـ"زيدٍ" و"عَمْرُو" و"الحِصَانْ"،
"هُوَ" اسْمُ عَلَمٍ قد يكونُ لجَمَادٍ أو حَيَوَانْ،
"هو" اسم كـ"الهرم" و"البرميل"،
" هُوَ " كأسْمَاءِ الخُضْرَوَاتِ ـ كالبَطَاطَا والبَاذِنْجِانْ،
2.
" هُوَ " لا يختلفُ عَنْ كُلِّ الأسْمَاءْ:
يُمْكِنُ أنْ يكُونَ اسْمَكَ أوْ اسْمِي،
أو اسْمَ سِكِّيرٍ أو كَائِنَاً مَا كَانْ!
لا يَحْتَاجُ الأمرُ إلَّا لِعَقْلٍ بَسِيطْ،
وَتَفْكِيرٍ لِمُدَةِ دَقَيقَةٍ أوْ دَقِيقَتَينْ:
بأنَّ الأسْمِاءَ لا قُوَّةَ لَهَا،
وإنُّهُ مَا كَانَ يَومَاً، وَلَمْ يَكُنْ مَهْمَا كَانْ!
حِينئذٍ، يَكْتَشِفُ المَرْءُ بِأنَّهُ إنْسَانْ،
و"إنَّه" أمرٌ لا يَسْتَحِقُ غَيْرَ النِّسْيَانْ!


الكِمِّير [Chimera]*

chimera


1.
مُشَوَّهَاً وُلِدَ كَالجَنِينْ!
مُرْبَكٌ
مُشَتَّتٌ
فّاسِدُ المَعْنَى
تَكْتَنِفَهُ الخُرَافَاتُ والأسَاطِيرْ
مُرَقَّعٌ بِجُلُودِ المَاعِزِ
مُرَتَّقٌ بِخُيُوطٍ مِنَ المَصَارِينْ
يضمُّ آلافَ السَّقَطَاتْ والفراغاتْ
والهَفَوَاتْ
وَغِيَابَ الَمَعاييرْ
فَصَاغَ وُجُوَدَنا عَلَى صُورَتِهْ
كَدُمىً بَلْهَاءَ ـ مَصْنُوعَةٍ مِنَ الطِينْ
فَأصْبَحْنَا كَمَا "هُوَ" ـ أسْطُورَةً بِلا يَقِينْ
أمَّا "هُوَ" فآلَ إلَى كِتَابٍ مُبِينْ!
2.
مُذْ شَرَعَ، كَمَا يُقَالُ، عُثْمَانُ،
أوْ الشِّيخَانْ،
أوْ قَدْ يَكُونْ:
"عَبْدُ المَلَكِ بنُ مَرْوَانْ"
أوْ أيَّاً كَانْ!
بِجَمْعِ مَا يُسَمَّى القُرْآنْ،
(من العُسُبِ، واللَّخافِ، والأضْلاعِ، والأقْتَابِ، والقُضُمِ، وغَيْرِهَا مِنْ مُخَلَّفَاتِ النَّبَاتِ وَالَحَيَوَانْ!)!
كُنَّا قَدْ أُحِلْنّا مُنْذُ ذَلكَ الزَّمَانْ
إلَى مَوْتَى مِنْ غَيْرِ أكْفَانْ!
3.
مُنْذُ وَعَيْتُ
وُمُنْذُ عَرِفْتُ أنَّنِي مِنْ هَذَا "المَكَانْ"
فَقَدْ أدْرَكْتُ:
أنَّ هَذَا "الكِتَّابْ ـ
هُوَ آخرُ مَثْوَى لنَاَ
هُوَ حَتْفُنَا،
وَسَنْنَفُقُ، مِنْ أجْلِهِ،
كَمَا تَنْفُقُ الأرَانْ**
لَيْسَ مِنْ سُوءِ التَّغْذِيّةْ،
لَيْسَ مِنْ غِيَابِ الأمَانْ
بَلْ هَمَّاً،
وَغَمَّاً،
مِنْ تَعَاسَةِ الرَّحْمَنْ!


* الِكمِّير (Chimera) 1. هو الأمر الْمُلْتَبِسُ الَّذِي يَصْعُبُ تَأْوِيلُهُ؛ الوَهْمُ 2. وهو في الميثولوجيا اليونانية حيوان خرافي، وكما وصفه هوميروس، هو حيوان يزفر ناراً له رأس أسد وذيل تنين وجذع معزة. 3. كُلُّ شيء غير محدد المَعَالِم.
** "الأران" أو "الأرانب"جمع أرنب.

على حافة الشيزوفرينيا

قاعة تغص بالمصفقين
[تصفيق جماعة في جميع الأيام]

1.
عَلَى حَافَّةِ الشِيزُوفْرِينِيَا نَرْقُصُ بِمَرِحِ الأغْبِيَاءِ وَانْشِرَاحِ المَعْتُوهِينْ!
نُصفِّق جماعةً مستبشرين
بَلْ نِقْفُزُ فِي الهَوَاءِ - إن تطلب الأمر - كَالمُهَرِّجِينْ
هَذَا "اخْتِصَاصُنَا" مُنْذَ أنْ ظَهَرَ الدِّينْ،
وَمُنْذُ أنْ أقِمْنَا الصَّلَاةَ
وَشَرَعْنَا بِاللهِ نَسْتَعِينْ!
2.
مَهْوَسُّونِ بِـ"كَلَامِ اللهِ" الَّذِي لَمْ نَقْرَأْهُ قَطُّ!
وَنُرَدِّدُ أحَادِيثَ مُضْحِكَةً
نَكْذُبُ عَلَى أَنْفُسِنَا ـ
ثُمَّ نُكَذِّبَ الآخَرِينَ إنْ كَذَّبُونَا!
نَكُتُبُ مَا نظنُّ أنَّهُ تَارِيخٌ،
تَارِكِينَ آثَارَ السَّخْفِ فِي كُلِّ مَكَانْ،
وَحِينَ يَعْثُرُ المَرْءُ عَلَى سُخْفٍ كَتَبْنِاهُ ـ
تَقُومُ القِيِامُةُ،
ويَصَرْخُ "التِّلِفِزْيونْ"،
وَتَزْعَقُ جَمَيعُ الإذَاعَاتْ
وِتَخْرُجُ المُظَاهَرَاتْ
وَتُصْدِرُ التَّصْرِيحَاتْ:
بِتُهْمَةِ الرَّدَةِ،
أوْ تَشْوِيهِ "صُورَةِ الرَّسُولْ"،
أوْ أيُّ شِيْءٍ مِنْ هَذَهِ الاتِّهَامَاتْ
ويبدأ شُيُوخُ الفِقْهِ باستعراض "البَيِّنَاتْ"
فَتُصْدِرُ المَرَاسِيمُ
وَتُعْلَنُ العُقُوبَاتْ:
قَطْعُ الرُّؤوسِ فِي السَّاحَاتْ،
أوْ التَّعْلِيقُ بِـ"الرَّافِعَاتْ"،
أوْ بِالرَّجِمِ ـ
إنْ تَوَفَّرَتِ المُبَرِّرَاتْ!
3.
وَلَكِنْ، بِرَبِّكُمْ، قُولُوا لَنَا الحَقَّ:
كَيفَ يَرْتَدُّ مَنْ لَا يُؤمِنُ بِالسَّخَافَاتْ؟
كَيفَ يَرْتَدُّ مَنْ لَا يَأْبَهُ بِالصَّلَاةْ؟
وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَاً مِنَ دَافِعِي الزَّكَاةْ؟
وَلِمْ يُوَقِّعْ عَلَى عَقْدٍ بِقُبُولِ المُعْجِزَاتْ؟
وَلَمْ يَعْطِ أيَّ عَهْدٍ باحترام "المُقَدَّسَاتْ"
أنْتُمْ، لا شَكَّ، تَجْهَلُونَ مَعْنَى الكَلِمَاتْ!
4.
عَلَى حَافَّةِ الشِيزُوفْرِينِيَا نَسْتَلْقِي آمِنِينْ،
"يَحْفُظَنَا" اللهُ مِنَ السُّقُوطْ،
وَيُوسِّعُ لَنَا، بِحَمْدِهِ
حُدُودَ مُسْتَشْفَى المَجَانِينْ!



قَتْلَى القُرَآن

1.
نحن قَتَلَى كِتَابٍ لم يَعُدْ اسْمُهُ القرآن[*]،
وَلَمْ يَعُدْ اسْمُهُ الإنجيلْ،
أو التَّوراةَ،
أو الفيدا،
أو المهابارتا،
أو أيُّ اسْمٍ كانْ!
نحن قَتْلَى كلِّ ما كانْ
وكلِّ كتابٍ بأنفسنا صَنَعْنَاهْ!
لم يَقْتُلْنَا أَحَدٌ غَيْرُنا،
نحن قتلى أنْفُسِنَا بالإيمان
2.
نحن الشهداءُ ونحن الجلادون!
ونحن حين صَنَعْنَا الأنبياءْ،
وحفرنا أسماءهم على جباهنا،
فقد حَفَرْنا قُبُورَنا بأيدينا،
وسلمنَّا السَّيفَ للسَّيَّافْ
وما عاد في الأمر شكٌّ بأننا قَتْلَى!
مِنْ غَيرِ تبليغٍ،
مِنْ غَيرِ إعلانْ،
ومِنْ غَيرِ حتى رسالةِ شُكْرٍ على ما قَدَّسْنَاه،
على خِدْمَتِنَا،
وَصَلَاتِنَا وكل ما فعلناه،
وكأننا خبرٌ بأنفسنا كتبناه،
أو حكمٌ نحن أصدرناه!
نَحْنُ قَتْلَى كِتَابٍ، للأسَفِ، بِأنْفُسِنَا كَتَبْنَاهْ!



[*] كتاب: "قتلى القرآن" لأبي أسحاق الثعلبي المتوفي في (427 هـ): " هذا كتاب مشتمل على ذكر قوم هم أفضل الشهداء، وأشرف العلماء، نالوا أعلى المنازل، وأدركوا أسنى المطالب، وهم الذين قتلهم القرآن لما قرؤوه أو سمعوه يتلى؛ فعلموه حق علمه وفهموه حق فهمه"!!! ـ ص 54

صناعة عربية

خنجر مسلول على خلفية حمراء  بتاريخ الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) 2018 دخل الصحفي السعودي جمال خاشقجي السفارة السعودية في استانبول ولم يخرج ولن يخرج أبداً!
"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ " (آية 145 آل عمران)

1.
هُوَ قَضَاءُ اللهِ، إذَنْ!
هُوَ حُكُمُ السَّمَاءِ، وعَلَينَا أنْ نَكُونَ شَاكِرِينْ!
هُوَ حُكُمٌ منزلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينْ!
يَخْضَعُ لهُ الجَميعْ!
إنه بإذن الله وبقرار الأمَيرْ!

2.
إنْ كانتْ آثَارُ جِثَّتِهِ في بِئرٍ،
أوْ فِي صَالةِ الاسْتِقْبَالْ،
فإنَّ هذه تفصيلاتٌ بوليسيةْ!
فالقتيلُ لَنْ يَخرجَ أبَدَاً مِنْ بِنَايَةِ القُنْصُلِيَّةْ!
3.
قَدْ لا نَعْرِفُ القاتلَ ـ فاسْمُهُ لا تَذْكُرَهُ التَّحقيقاتْ،
لَكنَّه ذَلكَ المَسَاءْ،
صَلَّى كَعَادَتِهِ طَلبَاً للثَّوَابِ فِي الدُّنْيَا،
أوْ فِي الآخِرَةِ، والأمْرُ سيَّانْ،
ثُمَّ توكَّلَ
و"حَوْقَلَ"
و"بَسْمَلَ"
و"حَمْدَلَ"
وَجَلسَ عَلَى مَائِدِةِ الإفْطَارِ العَرَبِيَّةْ،
مُطْمًأناً، راضِيَاً مَرْضِيَّا!
4.
لا نَعْرِفُ القَاتِلَ ـ لِحَدِّ الآنْ،
غَيرَ أنَّ الخَنَاجِرَ المُدَمَّاةَ (الجَنْبِيَّة)[1] تُصْنَعُ فِي نَجْرَانْ،
أوْ فِي أيِّ مَكَانْ:
فِي اليَمَنِ،
أو عُمانْ،
أوْ فِي السَّعُودِيَّة.
هُوَ أمْرٌ، لا شَكَّ فِيهِ، صِنَاعَةٌ عَرَبِيَّةْ!
5.
لا نَعْرِفُ القَاتِلَ باسْمِهِ،
غَيرَ أننا نَعْرِف مَنْطِقَ الأحَدَاْثْ،
وَنَعْرِفُ أنَّهَا لَيسَتْ برِعَايَةِ "مَرْسَيدِسْ" أوْ "كوكاكولا"
بَلْ بِرِعَايَةِ الأمِيرْ!
وَهَذَا مَا يَعْرِفُهُ الجَمِيعْ،
بَلْ وتَعْرِفُهُ الصُّحُفُ العَرَبِيَّةْ،
وَمَحَطَّاتُ التِّلْفِزِيْونِ الغَرْبِيَّةْ،
تَعْرِفُهُ جَمِيعُ السَّفَاراتْ،
تَعْرِفُهُ حَتَّى العَاهِرَاتْ!
فَهُوَ أمرٌ عَادِيٌّ،
إنَّهُ خبرٌ مِنَ الأخْبَارِ اليَوْمٍيَّةْ!
إنَّهُ بِاخْتِصَارْ: صِنَاعَةٌ عَرَبِيَّةْ!


[1] "الجَنْبِيَّة" مفرد "الجَنَابِي": نوع من الخناجر العربية التقلييدية المنتشر حملها في السعودية، ونجران من بين المدن التي تشتهر بصناعتها.

الأدلة العقلية على وجود الله والكنغر الأبْيَض وقِطَّة جارتنا وأشياء أخرى [1]

كنغر
1.
لا توجد "أدلة" أشدُّ دلالة على فشل العثور على "أدِلَّةٍ" على وجود "الله" مثل "الأدِلَّة" العقلية"!
ولأن الفكر الإسلامي هو حصيلة الفكر الكلامي البلاغي من القرن الثامن، فربما لا يوجد نوع آخر من "الأدِلَّة" على "وجود الله" أكثر ملائمة و"حميمية" من مثل هذا النوع من الأدِلَّة.
2.
إنها، يمكن القول، من أسلحة الدفاع اللاهوتي "الفتَّاكَة!" على "وجودٍ" فقدوا الأملَ من غير رجعةٍ في البرهنة عليه. لكنها قبل كل شيء بضاعة فاسدة ظلوا يبيعونها على أنفسهم لقرونٍ طويلة لا لهدف آخر غير الشعور بنشوة الانتصار على عدوٍ لا وجود له.
3.
إنهم فقدوا الأمل إلى الأبد في أن يَكْشِفُ هذا الذي لا وجود له عن نفسه. لقد انتظروا "المعجزة" دون جدوى.
ففي البداية لجأوا إلى "أدلةِ" من نُصُوصَهُمْ "المقدسة" التي تتضمن حيل الرواية عن "تاريخ" بائد (من نوع كان يا ما كان) ؛ تاريخ ما قد حدثت فيه معجزات برهانية على هذا "الوجود"! إلا أن التاريخ الحقيقي وعن طريق النقد التاريخي أثبت بما لا يقبل الشك أن لا وجود "للتاريخ المقدس".
ولأنهم يعرفون (وربما لا يعرفون، مَنْ يدري؟) بأنهم قد فشلوا فشلاً ذريعاً في إقناع الآخرين، فإنه لم يعد أمامهم شيئاً آخر غير أن يقنعوا أنفسهم:
ولهذا قرروا البحث عن أدلة من نوع الأدلة "العقلية!".
4.
الحق أنها تمارين كلامية:
مقدمات عقلية (ذات طابع ادعائي) تؤدي إلى استنباطات هي الأخرى عقلية!
إن رجال اللاهوت (ومن يتبعهم من أنصاف المتعلمين وصغار هواة البراهين العقلية الذين يرددون هذه البراهين، وكالعادة، على طريقة الترديد الببغائي للآيات القرآنية لتلاميذ المدارس) يشبهون حكاية المعتوه الذي قرر أن يسرق تمراً من البستان القريب فوضع على عينيه عصابة سوداء حتى لا يراه أحد!
ولكننا، ولشديد أسفهم، نراهم!
5.
الدليل الوجودي على "وجود الله" أم اليأس الوجودي على "وجوده"؟!
ولكن ماذا يقدم لنا اللاهوت كطريق "عقلي" للبرهنة على فرضياته؟
الجواب هو: البراهين العقلية!
وهذا هو جوهر كل اللغو والفذلكات:
ولنستمع إلى (أو لنقرأ) البرهان الوجودي كما صاغه أنسلم (أسقف ولاهوتي 1033 – 1109) وبكلماته هو:
"فإن على ذلك الجاهل أن يكون مقتنعاً، على الأقل، بأن الكائن الذي لا يمكن تصور أعظم منه موجود في ذهنه، ذلك لأنه عندما يسمع هذا الكلام يتعقله وكل ما يتعقل موجود في الذهن ولابد. وبالتالي إذا كان ذلك الذي لا يمكن تصور أعظم منه موجوداً في الذهن فمن المحال القول إن الذي لا يمكن تصور أعظم منه هو ذلك الذي يمكن تصور أعظم منه في آن واحد. فلا شك إذن، إن كائنا لا يمكن تصور أعظم منه موجود في الذهن وفي الواقع"! [الدين من منظور فلسفي (دراسة ونصوص) - روبرت س. سلمون، بيروت 2009، ص 55]
وإذا ما أردنا أن نصوغ قضية منطقية من هذا الكلام فهي تبدو هكذا:
- إن الله هو الكائن الذي لا يمكن تصور أعظم منه في ذهننا،
- ولأنه من المحال القول إن الذي لا يمكن تصور أعظم منه هو ذلك الذي يمكن تصور أعظم منه في آن واحد،
- فلا شك إذن، إن كائنا لا يمكن تصور أعظم منه موجود في الذهن وفي الواقع!
إذن: الله موجود!
[مؤثرات صوتية: أصوات إطلاق رشاشات وهلاهيل وتصفيق وعبارة الله أكبر تتردد عشرات المرات!]
6.
هل من المعقول أن يعتقد عاقل بأن هذه الترهات تصلح لكي تكون برهاناً؟
طالماً لا توجد براهين حقيقية “فليس بالإمكان أحسن مما كان". وهذه هي الفلسفة الحياتية للدين!
هذا هو منطق “البراهين العقلية” وبشكل خاص “البرهان الوجودي” على وجود “الله” الذي تتسابق صفحات المسلمين على الإنترنت بالاستشهاد به، و"تلاوته" أو التغني به، هو وأدلة أخرى لا تقل عنه عبثية ولا منطقية!
ولا أعرف كيف يتسنى لشخص عاقل (رجل كان أم امرأة) أن يأخذ مأخذ الجد مثل هذه الكلام الذي أكل عليه الدهر وشرب؟!
7.
ولغرض التأمل في لامعقولية هذا "البرهان" لا لغرض تأكيد موقفي الخاص بل الكشف عن "مصداقية!" هذا البرهان، سأقتبس مقطعاً كاملاً من كتاب (الدين من منظور فلسفي) للأكاديمي "المؤمن" روبرت س. سلمون الذي هو الآخر يقتبس دليل أنسلم ويعلق فيه (بدبلوماسية متناهية أحسده عليها) على خرافة "البرهان الوجودي":
" من الواضح أن الدليل الوجودي، بعَدِّه دليلاً منطقياً، ليس بمقدوره أن يحوِّل غير المؤمنين إلى مؤمنين، وإذا كنت مؤمناً فإن الاعتراض على "الدليل" لن يضر إيمانك بأي وجه من الوجوه. لذا فإن دلالة الدليل، يشوبها الغموض. فبوصفه ممارسة منطقية فهو رائع، وبوصفه تعبيراً عن الإيمان يمكنه أن ينور، أما بوصفه برهاناً حقيقياً على وجود الله أو وسيلة لإقناع الملحدين فيبدو أنه ليس بمقدوره فعل ذلك على الإطلاق"[ص 73].
يريد المؤلف أن يقول: هذا مجرد كلام فارغ!
وهذا ما ينطبق تماماً على "برهان الصديقين" لابن سينا مثلاً وكل البراهين "العقلية" قديماً وحديثاً.
فهي تعتمد على نماذج كلامية متشابهة من نوع:
الكائن الذي لا يمكن تصور أعظم منه،
الكائن الواجب الوجود (ابن سينا)
المحرك الأول (أرسطو)
وهكذا . . . .
8.
ألا يثير الدهشة والاستغراب أن يبذل كل هؤلاءالظرفاء الظرفاء مثل كل هذه الجهود الجبارة للبرهنة على وجود"خالق عظيم!"، "كليِّ الوجود!"، "العلة الأولى وعلة جميع العلل!"، و"واجب الوجود!" و"الكائن الذي لا يمكن تصور أعظم منه!" بهذه السفاسف بدلاً من إعطاء دليل مادي واحد صغير بسيط، تراه العين ويدركه العقل المستيقظ (وليس النائم)؟
9.
إنهم يلعبون لعبة ساذجة مع أنفسهم (ومهما أوتوا من قدرات عقلية وثقافية) أمام متفرجين حمقى، وفي نهاية اللعبة يعلنون هُمْ أنفسَهم فوزَهُمْ بالمباراة.! 
ولأسباب “منطقية!” محضة يستحيل “صياغة” قضاياهم بأوصاف أخرى!
وهذه هي الخلاصة المنطقية، ولكن القابلة للاختبار، على فشلهم التاريخي ِللبرهنة على “قضيتهم” الوحيدة والواحدة على امتداد تاريخ الديانات الإبراهيمية!
هنا عليَّ أن أروي نكتة من تاريخ "جمهورية ألمانيا الديموقراطية" سابقاً (الجزء الشرقي من ألمانيا):
أشترك أحد المعامل الاشتراكية في مسابقة عالمية في مجال الجودة الإنتاجية. ولأن هذا المعمل هو المشارك الوحيد في المسابقة(!)، فقد حصل على الجائزة الأولى. ولأن اللجنة التحكيمية لم تحضر المسابقة، فإن المعمل لم يستلم الجائزة!
هذه هي حكاية البرهان الوجودي على وجود "الله"!


أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر