من أجل رد الاعتبار لشخصية عائشة!
1.
قد يندهش الملحدون قبل المسلمين لهذا العنوان.
ولهذا عليَّ التأكيد بأنه ليس في الأمر أيُّ نوع من التهكم أو المجاز. فأنا أعني ما يُعَبِّرُ عنه العنوان حرفياً وأقف وراءه.
كَمَا وعليَّ الاعتراف منذ البدء وبصراحة أنَّ " عائشة" من الموضوعات التي كثيراً ما كانت تمر بإلحاح على تفكيري .
فعائشة "قضية" تاريخية وأخلاقية وثقافية وبالمعنى المباشر للكلمة قبل أن تكون قضية دينية.
وهي لهذا السبب تحتاج إلى نوع من المرافعة الدفاعية لإعادة الاعتبار لشخصيتها بشكل خاص وللمرأة الرازحة تحت نير العبودية الإسلامية بشكل عام.
فهي قضية تاريخية لأننا لا نملك عنها غير ما تقوله السيرة الأدبية الإسلامية؛
وهي قضية أخلاقية لأننا أمام خرق فظ لأهم القيم في حياة المجتمعات: اغتصاب طفلة من قبل كهل جاوز الستين!؛
وهي قضية ثقافية لأنها تحولت إلى معيار ثقافي يحتذى به المسلم (السني) في الحياة ويتم تربية الأطفال على أساسه؛
وهي أخيراً قضية دينية لأن المسلمين حولوا نكاح محمد بن عبد الله لها إلى مواضعة فقهية وقانون يحتذون به.
2.
ولكن هذه "القضية" في نفس الوقت مصدر لحيرة كبيرة:
كيف تحولت الأساطير الشفهية إلى نوع من “الحقيقة" تقف فوق الواقع وتقرر وجوده؟
كما أن ثمة مدعاة أخرى للحيرة:
كيف فَلَتَ التصور العقائدي الدوغمائي الإسلامي عن عائشة وتسلل إلى كتاباتنا بالذات – نحن الملحدين؟
ولهذا شرعت بإعادة قراءة ما كُتب عنها ساعياً إلى أن أعيد النظر بالتصورات الشائعة الإسلامية – السنية والشيعية عن عائشة، مثلما أسعى إلى تحذير الآخرين من تقبل هذه التصورات على علاتها.
فلا أحد يندهش بالطريقة الغيبية التسليمية التي يفكر بها المسلمون/سنة وشيعة. ولكننا في نفس الوقت نعرف بما يقترب من اليقين أنهم يخفون دائماً ما هو جدير بالأهمية والاعتبار. وهم في الحالة هذه يخفون الكثير.
لا شيء يكتبه المسلمون من غير أن يحجبوا شيئاً آخر.
ولهذا يتوجب تفكيك النصوص الإسلامية وفرز مكوناتها وتصنيف هذه المكونات على أساس أربعة مجاميع:
الكذب؛
الأسطورة والخرافة؛
التزييف والتلفيق لحقائق كانت قائمة؛
وأخيراً – وهو الغائب والمحجوب: الحقيقة.
3.
فـ"عائشة" من الشخصيات المظلومة في حكايات السيرة الأدبية الإسلامية ولا أرى غير الملحدين مَنْ هو جدير بأنْ يعيد إليها الاعتبار وينظر في قضيتها على أساس مختلف وزاوية نظر جديدة نتخلى فيها عن ركام الهراء الإسلامي.
كما قلت إنها "قضية". وتكمن "قضيتها" في أنَّ المسلمين السنة قاموا بتمجيدها مما عمل هذا التمجيد على إخفاء مظلوميتها كـ"شخصية" سواء كانت من صنع الخيال أم التاريخ.
أمَّا الشيعة، وكالعادة، قاموا بالعكس: التشنيع بها، ولم يكن هذا إلا انطلاقاً من عقيدتهم الوهمية السخيفة عن معصومية علي بن ابي طالب ومعادتة من عاداه ونصر من ناصره!
4.
إنني أرى صورتها الآن أمامي وعينيها الراجيتين تدعواني لأعاده النظر بالسيرة الإسلامية لعلي أجد شيئاً يبدد الأوهام عنها ويعيد إليها صورتها الحقيقية الأقرب إلى الواقع والأبعد عن الأساطير والخرافات. بل هي بانتظار من يفند الأكاذيب عنها – السنية والشيعية ويستخلص من هذه الأكاذيب ما يكفي من الحقائق لرد الاعتبار إليها ووضعها في مكانها الحقيقي من التاريخ.
5.
عائشة لم ترتكب جرماً بل كانت ضحية.
فقد تم اغتصابها وظل هذا الاغتصاب قائماً أمام أنظار الجميع أكثر من 14 قرناً ولا يزال. وعندما اكتشف المسلمون (وخصوصاً السنة) الفضيحة قرروا أن يهربوا إلى الأمام مؤلفين العشرات من الكتب عنها وتمجيدها، بل وتقديسها وتحويلها إلى "أيقونة" يفاخرون ويتباهون بها أمام الأمم!
6.
إنني أبدأ من سؤال بسيط في محتواه ينطلق من "أحاديث عائشة" التي يمجدها السنة ولا يدقق فيها أو يتجاهلها الشيعة وهي تعكس تصورات عائشة ومواقفها من محمد:
هل هي صاحبة هذه الأحاديث؟
وهل كانت عائشة تؤمن حقاً بنبوة محمد؟!
لم أنطلق في يوم ما من فرضية وأنا أكاد لا أملك أي نوع من "اليقين" أو التصورات عن نهايتها وإمكانية البرهنة عليها. بل قررت ألا أبحث عن الأدلة على صحة الفرضية. فكتاب السيرة الإسلامية قد أفسدوا جميع المصادر وتم حرقها وتدميرها. ولهذا لم يتبق أمامي غير البحث عن أدلة تنقض الفرضية وتبدد مسوغاتها.
وهذا هو الطريق الصعب في الكتابة:
أن تسير ضد ما تعتقد حتى تصل إلى الحقيقة – إنْ وصلت!
الحلقة القادمة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق