منع

الطريق إلى الجنة

1.
ليس للقصة بداية – لأنها مكتظة بالأكاذيب والخرافات والادعاءات!
إنها النهاية:
"قِيلَ" إنه قد حضر صاحب الزمان ويوم القيامة قد حان. وهاهم الفقراء، ولا أحد غيرهم منطلقين نحو الصحراء!
قوافلُ الساعين إلى "الجنة" الموعودة تغصُّ بها الطرق والشعاب، يقتلهم الظمأ والجوع والحاجة وبقايا علل الجسد المنهك.
كالنمل تدبُّ أفواج الناس، حتى أنها لا تعرف الاتجاهات فهي تتحرك ككتلة لا شكل لها تتبع ممن يدعون أنهم يعرفون الاتجاهات.
من مكان ما كان يتعالى صوت نباح كلاب وكأنها تسعى إلى تنبيه الناس إن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء!
2.
كانت أفواج الناس كتلة صامتة،
كتلة منهمكة،
كتلة مضطربة البال،
تحث الخطى إلى "دار السلام"!
- هل هذا طريق الجنة، يا أخي؟
سأل أحدهم وعيناه تغص في محجريهما.
- هكذا يقول الأخرون! [أجاب صوت مبحوح من كثرة التسبيح وهو يسعل من غير انقطاع بسبب تدخين السجائر الرخيصة]
- إذن هذا هو! أسرعي يا امرأة قبل حلول الظلام!
[قال الرجل وهو يجرُّ زوجته التي أرهقها المسير جراً كالبقرة]
3.
قوافلُ المؤمنين تتوالى من غير انقطاع. البعض منهم كان يولول ويندب حظه العاثر لأنه تارك للصلاة؛ والأخر لم يكن يأخذ الله مأخذ الجد؛ والثالثُ آمن بعد فوات الأوان؛ والرابع لم يحج لقلة المال؛ والخامس كان سكران، يسأل عن صاحب الزمان. أما أحد الأطفال فقد كان حائراً يتساءل:
- هل وصلنا الجنة يا ماما أنا عطشان!
- الماء في الجنة يا ماما كثير!
أجابت المرأة بميكانيكية من غير حتى أن تفكر، فهكذا أخبروها وعليها أن تصدق.
كانَ الهَمُّ يلفُّ الجموع:
- هل سنصل في الموعد المحدد؟
- وهل للجنة موعد محدد؟
أجاب أحدهم منزعجاً.
- إن شاء الله، فالله لا يخلف الوعد!
ردَّ آخرُ، فاشترك الجميع يرددون وكأنَّ الله يستمع إليهم، فالمبالغة في الإيمان لا يضر أحداً:
- إنه خير الواعدين!
هلل الأطفال والنساء والرجال:
- إنه خير الواعدين!
4.
في زحمة هذا المشهد ثمة صبي يجلس على قارعة الطريق. لم يكن مكترثاً بمسعى الناس حوله، ولم يكن ينتظر أحداً، ولم يكن يسعى إلى أي مكان. كان جالساً لا غير، وحين لا يرفع بصره للتفرج على الجموع المتحركة أمامه بابتسامة ساخرة كان يعزف بناي خشبي ألحاناً راقصة.
- هذا الطريق لا يؤدي إلى أي مكان، يا عم!
[قال الصبي للرجل الساعي مع زوجته وهو يتوقف عن العزف]
- ماذا تقول؟
- أقول إنكم اجتزتم الطريق إلى الجنة!
- هل أنت تمزح؟
الجنة قبل المنعطف!
- إنها أرض قاحلة، فكيف تكون الجنة؟! ألا ترى كلَّ هذه الجموع؟ أهي على خطأ وأنت على حق؟
- وماذا عليَّ أن أفعل - هل عليَّ أن أتحملَ تبعات ضلال الآخرين؟
- ومن أين تعرف الطريق
- كنت هناك!
- أين هناك؟
- في الجنة!
- ولماذا تركتها؟
- هل هذا معقول يا عم؟ ألا تعرف؟
- وماذا أعرف؟
- أنها صحراء خربة خالية إلا من نبات العاقول والأحجار البركانية.
- هذا الصبي يخرَّف! لنواصل الطريق!
[قالت المرأة وهذه المرة كانت هي التي تجر زوجها كما تجر الثور]
- كيف لُعِبَ بعقولهم؟!
ردد الصبي بلهجة ساخرة ثم قرر النهوض ومواصلة طريق العودة بالاتجاه المعاكس لقوافل الساعين نحو مملكة الوهم. 
ما يزال نباح الكلاب يتعالى من غير ملل.
[النهاية]


توقعات المستقبل الإلحادية


1.
ستظل الرغبة في معرفة "الغد" تطارد البشر دائماً.
وإذا ما كان الناس في عصور الخرافات (التي لاتزال قائمة هنا وهناك) لا يرون إلا الخرافات، و"أشراط الساعة" ونهاية العالم وظهور المهدي، فإننا لا نستعين بغير العلم ومنطق الاستكشاف العلمي.
الغدُ يُصنعُ اليومَ: الآن أمامنا مكونات الغد وعناصر صورته.
لا يعبر هذا التفكير عن أية قناعات إيمانية (غيبية). بل يحمل لغة الوقائع التي نستطيع اختبارها.
2.
هل يخيفنا الغد؟
لا.
فمخاوف الغد هي مخاوف اليوم. أما إذا فكرنا على المستوى البعيد فإننا سنكون أمام تراكمات ستؤدي لا محالة إلى تحولات نوعية في مجالات مختلفة من حياتنا. أما كيف تبدو هذه التحولات فهو أمر قد لا نستطيع أن نحدد معالمها ولكن بإمكاننا أن نضع جملة من الافتراضات والتصورات المستقبلية التي تنسجم مع آليات التطور العلمي والتقني وآليات التفكير البشري.
هذا ما قام به مثلاً فيلم " امرأة على القمر".
3.
إذا ما قارنا فيلم "امرأة على القمر" [إنتاج عام 1928-1929 للمخرج الألماني Fritz Lang بالتعاون مع الفيزيائي هيرمان أوبيرت وهو أستاذ فيرهر فون براون - مخترع الصواريخ الذي عَمَلَ بعد الحرب العالمية الثانية في NASA] والذي يتحدث عن رحلة إلى القمر لرجل وامرأة، بما رأيناه جميعاً، ولا شك، من خلال الأفلام الوثائقية حول رحلة أبولو 11 بعد حوالي أربعين عاماً والتي كان من نتائجها "التنزه" الحقيقي على سطح القمر، فإن الفيلم الألماني يبدو وكأنه من عالم آخر من حيث "براءته" التقنية التي تعود إلى عصر السينما الصامتة.
4.
لكنه مع ذلك قدم لنا مقترحات سينمائية بصرية وتقنية رائدة في مجال الخيال العلمي والسينمائي، قدم لنا تلك "الافتراضات والتصورات المستقبلية التي تنسجم مع آليات التطور العلمي والتقني وآليات التفكير البشري" وقد أسر خيال متفرجي عشرينيات القرن الماضي. 
ومن الطريف أن نعرف بأن هذا الفيلم قد دشن بداية استخدام فكرة "العد التنازلي" لانطلاق المركبات الفضائية عن طريق الظهور المتتابع لجمل مثل: "ثلاث ثوان أخرى قبل الانطلاق. . ثانيتان، ثانية ..." .
لكن الشيء الأهم من كل ذلك هو أنه قد حمل للمتفرجين آنذاك خيالاً خصباً وقدرة مدهشة على استشراف المستقبل. قال لنا إن هذا الحلم "الصعود إلى القمر" ممكن. 
لقد شحذ خيال معاصريه ووجه أبصارهم صوب المستقبل: مستقبل العلم والنزوع البشري نحو اكتشاف عوالم جديدة والتغلب على جاذبية الأرض.
5.
لم يهتم منتجو الفيلم بـ"سلفهم الصالح"، رغم أنهم هم أيضاً يمتلكون سلفاً صالحاً!
لم يطالبْ الفيلم المتفرجين بالعودة إلى "القرون الأولى" كما حاول فيلم "الرسالة" الساذج (أكثر الأفلام الساذجة كلفة في تاريخ السينما) الذي رصدت له الدولة الليبية وقتها مئات الملايين من الدولارات (وشفطوا مئات أخرى)، وكما نلاحظ كيف يتكاثر كالفطر السام على اليوتيوب مع نماذج أكثر تهافتاً وسذاجة عن موضوعات تتعلق "بالقرون الثلاثة الأولى".
الفيلم الألماني وجه أنظار المتفرجين [أمس واليوم] نحو المستقبل، نحو زمن الحقائق العلمية الواقعية.
لم يقل لهم بأنَّ غداً سيظهر المهدي أو المسيح الدجال، بل سنتملك زمام معرفة الكثير من الأسئلة ونتغلب على الكثير من مظاهر ضعفنا وقصورنا الإنساني.


إنه دفع متفرجي العشرينات من القرن الماضي إلى الأمام، ولم يجرجرهم إلى الخلف.
وجه أنظارهم صوب مستقبل أكثر غنى من الماضي والحاضؤ، ولم يلق بهم في غياهب الخرافات.
وهذا ما حدث مع رحلة أبولو 11.
6.
لماذا أتحدث عن هذا الفيلم؟
ربماً نوعاً من الحنين إلى مرحلة صاخبة من تطوري العقلي والثقافي، الأيام التي رسمتْ إلى حد ما "صورتي" وحددت "صوتي" وكشفت لي الماضي بوضوح مثير للألم والغضب لرؤية العالم الذي تركته، من غير عودة، رؤيته على حقيقته المرة من غير ظلال أو أوهام أو تنازلات.
لقد رأيت فيلم "امرأة على القمر" للمرة الثانية منذ فترة قصيرة بعد سنوات طويلة من مشاهدتي الأولى له. آنذاك كنت وحدي في قاعة العرض التجريبية (لأغراض دراسية) ولا تزال صور منه عالقة في ذاكرتي. وفي مشاهدتي الأولى والآن فرض عليَّ نوعاً محدداً من التفكير: الرغبة العارمة في أن نرى المستقبل، في أن نصبو إلى المستقبل!
إن بدائية الكثير من تقنيات السينما الصامتة التي أُخرج الفيلم من خلالها آنذاك لم تكبح جماح الخيال البشري المنفتح إلى المستقبل. إنه درس صعب ومؤلم بالنسبة لنا، نحن الذين من مواليد مملكة الظلام، كيف نصنع بواسطة أحدث منتجات التكنولوجيا خرافات "مقدسة" لا تليق إلا بالقرون الثلاثة الأولى!
7.
أحاول أن أستعير دروساً من الماضي لرؤية المستقبل، لا دروساً من الماضي للعودة إلى ماضٍ أكثر قدماً.
أحاول أن أقول للقارئ بأن أحلام الماضي هي حقائق اليوم، وأحلام اليوم هي حقائق الغد.
أحاول أن أقول بأن" توقعات الغد" علينا أن نصنعها اليوم بعيداً عن "أشراط الساعة" وانحطاط التصورات الدينية العاجزة أبداً عن رؤية المستقبل لسبب بسيط ومأساوي واحد وهو إنها تنظر إلى الخلف بعيون عجائز لا حياة لهن إلا بالماضي.
هذا هو سر أسرار الدين: الماضي، الذي يستحوذ على عقولهم ومشاعرهم!
8.
أما سر أسرارنا نحن فهو في المستقبل!
وليس لنا غير آليات الخيال العلمي ومنطق التفكير العلمي.
فهل العلم قَدَرُنا؟
لا. 
لكنه الضرورة التي صنعناها نحن البشر. فالعالم هو حصيلة التطور البشري والتخلي عن العلم لا يعني غير شيء واحد: رفض هذا التطور والعودة إلى منطق الإنسان الحجري، وهذه كارثة بشرية يسعى المسلمون بكل قوة إلى تحقيقها!
9.
تحذير هام: 
إن مظاهر التطور المادي في دول النفط العربية لا علاقة لها بالتطور مطلقاً! 
فهو لا يعني غير شيء واحد: بضاعة تكنولوجية لم تسهم هذه البلدان في صناعتها بغير دولارات البترول. إنها لم تسهم ولا حتى بفكرة تقنية واحدة!
كل ما فكروا به وقالوه هو:
إحنا نِبِّي أعلى بناية في العالم، والفْلُوس مُو مُشْكِلَة!
10.
ليس هذا هو المستقبل الذي نصبو إليه. لأن في هذه "البضاعة التكنولوجية" العربية ينتشر فكر القرون الثلاثة الأولى في كل زاوية من زوايا ناطحات السحاب البترولية.
هذا هو الاختصاص العربي: 
صناعة الماضي بأحدث الوسائل التكنولوجية!
التطور وقبل كل شيء هو طبيعة التصورات التي تتعلق بالوجود الذي نعيش فيه وأفاق المستقبل التي نسعه إليها.
التطور لا يمكن أن يبدأ أبداً إلا بنقض الماضي ونقد خرافاته.
لا وجود للتطور بدون أن يدرك الناس بأن الحياة هنا على الأرض (أو على كوكب آخر) ولكن لا حياة بعد الموت.
المستقبل هنا، وهنا فقط!



متلازمة syndrome “سَدُّ الذَّرَائِع": منطق التفكير العربي – الإسلامي

1.
"قاعدة" سد الذرائع من أصول الفقه السني، وخصوصاً المالكي والحنفي، وهي، كما يشير إليه المعجم الوسيط مثلاً: "قفل باب ما يُتعلَّل به، أو قطع الطرق المؤدية إلى الإثم والمعصية"، وكما عرفها القرطبي: "الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه، يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع"! [1]
فهو كما يتضح من التعريف "تَحْرِيم" ما هو "مُحَلَّل" على أساس "الشَّكِّ أو الاحْتِمَال" مِنْ أنْ يؤدي ارتكابه إلى أمر مُحَرَّم!
و"الأمر المحرم" يمكن النظر إليه من زوايا مختلفة تبدأ بــ"اللامرغوب" و"المكروه" وتنتهي بــ"المُحْرِجِ"!
إذ أن الشيء إذا أفضى إلى مفسدة كان فاسد، فوجب قطع الذريعة لما ينجم عنها من مفاسد. أما إذا أفضى الشيء إلى مصلحة فقد كان صالحاً، ومن هنا ترفع الذريعة!
وهذا تخريف فقهي!
2.
وحتى تتضح أبعاد الموضوع: أنا لا أتحدث عن "قاعدة سد الذرائع" بالذات، فهي نتيجة لاهوتية لفلسفة ومنطق "سد الذرائع" اللاهوتي الذي تحول إلى متلازمة فكرية وفلسفية.
ومن أولى القضايا التاريخية التي أرست نشأة منطق التفكير العربي – الإسلامي الذرائعي، هي قضية "أمية محمد".
حملت هذه القضية ولا تزال تحمل في طياتها كل آليات ومكونات فلسفة "سد الذرائع"، أكرر: فلسفة سد الذرائع، التي أصبحت فيما بعد بصورة علنية كقاعدة فقهية وبصورة غير علنية وحتى اللحظة الراهنة "متلازمة" syndrome التفكير العربي - الإسلامي: إنها عاهة عقلية!
3.
قضية أميِّة محمد:
إن قضية "أمية محمد" وكما تنقل إلينا المدونات العربية الإسلامية هي رد على اتهام المحاججين القريشيين واليهود آنذاك (كما تقول لنا المدونات الإسلامية) بصدد كون محمد قد نقل تعاليماً مسيحية عن طريق الراهب النسطوري "بحيرى". أو كما تخبرنا به سورة النور: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [4] وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا [5])
إن هذه القضية لا تشكل بالنسبة لنا إلا "المادة الخام" التي أُرْسِيتْ على أساسها فلسفة "سد الذرائع". ولهذا فإنها لا تهمنا بحد ذاتها وإنما دورها في "خلق" و"تأسيس" منطق فاسد ذرائعي شكل فيما بعد عصب التفكير العربي الإسلامي منذ تلك اللحظة حتى اللحظة الراهنة وتأثيره على أغلب الردود (أو جميعها) التي "فبركها" الكتاب المسلمون فيما بعد بصدد الاتهامات المشار إليها.
فالمسلمون يرون بأن أمية محمد "برهان على صدق دعوته"، وحينما تنهار هذه الأسطورة فإن معها ستنهار أساطير أخرى!
ولكي نكتشف هذا "الفساد" التأسيسي، سنلقي الضوء على هذه القضية مستعينين بما تقوله كتب "السيرة" الإسلامية نفسها:
4.
إن أمية محمد تتناقض كلياً مع "الوقائع التاريخية" التي نقلتها لنا كتب "السيرة "الإسلامية والمتفق عليها من غير جدال (بالنسبة لهم). فانتماء محمد إلى عائلة من سادة قريش وإنَّ كل أعضائها المشهورين (علي ابن أبي طالب، الحمزة، العباس وابن عباس وغيرهم) كانوا يتقنون الكتابة والقراءة يجعل أميَّة محمد قضية مفتعلة. بل أن عائشة (زوجة محمد) نفسها كانت متعلمة (والعهدة على المدونات الإسلامية!). كما أن الكثير من "الصحابة" كانوا متعلمين عندما بدأ تبشير محمد بالإسلام. وهناك الكثير من المسلمين قد تعلموا القراءة الكتابة، كما تخبرنا كتب المسلمين بصدد أسطورة تحرير أسرى قريش في معركة بدر مقابل تعليم عشرة من غلمان المدينة. بل وكما تقول هذه الكتب فإن زيد بن ثابت نفسه (الذي تحول إلى كاتب الوحي الأسطوري) كان ممن تعلم القراءة والكتابة من الأسرى.
وهذا يعني أنها فرصة سانحة أمام من لم تتوفر له فرصة التعلم آنذاك، ومحمد من ضمنهم!
غير أن مصدر الدهشة الكبيرة هو الآتي:
أنَّ محمداً ظل أمياً كجدته وإمائه وكأنه وكأن المسلمين جميعاً سعداء بهذه الحقيقة "الأُمِّيَّة"!
يا جماعة:
محمد "مُصْطَفى" من قِبَلِ "الله" شخصياً، فلماذا لم يعلمه القراءة والكتابة!
هل تلعبون معنا، أم تلعبون مع أنفسكم!
5.
استناداً إلى "القرآن" تتضمن المعلومات القرآنية (بغض النظر عن قضية تشكلها وتراكمها ومصادرها وكُتَّابَها وأصالتها) التي تتعلق بأحوال الأمم وبالكتب السماوية السابقة بمجموعها وحدة معلوماتية ليس الحصول عليها أمراً سهلاً وليس من المنطقي الحصول عليها نتيجة للقاءات عابرة. بل أن فرضية النقل الشفهي في هذا الصدد حجة ضعيفة واهية. فمحمد لم يسافر كثيراً. بل أن المصادر الإسلامية لا تشير إلَّا إلى رحلتين (مشبوهتين من الناحية الوقائعية) وذات طابع أسطوري مع جده إلى الشام (وفي إحداها تفترض الأسطورة بأنه التقى الراهب بحيرى) وفي مرحلة مبكرة جداً من حياته.
وإذا ما افترضنا "صحة" هاتين الرحلتين ومهما كان طول فترة اللقاءات خلال هاتين السفرتين وبغض النظر عن الأشخاص الذين التقى بهم، سواء تلك التي تتعلق بالراهب بحيرى أو بآخرين أغنوا مدارك محمد، فإنها لا تكفي لكي تشكل مصدراً ثقافياً ما كتلك التي يتضمنها نص "القرآن".
6.
تشير المدونات الإسلامية بأن الجزء الأعظم من حياة محمد (قبل السنة الخامسة والعشرين حيث تزوج خديجة) كانت متركزة في الرعي ولا شيء آخر. وإن مثل هذا النوع من الحياة لا يمكن أن يوفر أية معلومات ذات طابع ديني وتاريخي. قد تساعد الوحدة والعزلة على التأمل ومراقبة الطبيعة لكنها لا تمنحه أية معلومات تاريخية (أما إلى أي درجة يمكن قبول فرضية ابن عائلة أرستقراطية يعمل راعياً، فهذه أيضاً قضية أخرى).
7.
إن الآيات الخمس الأولى من سورة العلق (التي يُفترض بأنها أول سورة في قرآن محمد) ذات دلالات لا يمكن عبورها بسهولة، وهي تنص على ما يأتي:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"
وبغض النظر عن التفسيرات وآليات التأويل المختلفة فإن آيات السورة تكشف بوضوح عن احتمالين:
الاحتمال الأول: إن محمداً كان يقرأ ويكتب وإلا لا معنى أن يطلب منه الربُّ القراءة!
أما تأويل فعل "القراءة" بمعنى "التلاوة" فهي جزء من "آلية" نظرية "أمية محمد". لأن فكرة "التلاوة" تفترض وجود نص مسبق يتُلى منه. وإلى جانب ذلك فإن استخدام فعل القراءة هنا مرتبط "بالقلم".
الاحتمال الثاني: وهو ما يمكن افتراضه من غير البحث عن أدلة، إنَّ طَلَبَ "جبرائيل" من محمد "أن يقرأ" يُمَثِّلُ "قراراً ربانياً" يفرض على محمد إما تعلُّم القراءة والكتابة مباشرة (كن فيكون!) وهي معجزة لا قيمة لها مقابل (عشرات المعجزات التي تعرَّض لها محمد قبل وبعد نزول الوحي!) أو أنها "رغبة إلهية" في أن يتعلم محمد القراءة والكتابة. ففعل "اقْرَأْ" بصيغة الأمر يتردد مرتين في أول كلمة من أول آية وأول كلمة من الآية الثالثة من أول نص إلهي! وإنه من قبيل اللغو والسخف وإضاعة الوقت ألا تتطلب هذه السورة واحداً من الاحتمالين المشار إليهما.
8.
ومع ذلك فليس جميع المسلمين يقبلون عقيدة: "أمْيَّة محمد"!
فالبخاري مؤرخ المسلمين هو الذي بدأ الشكوك أو كما يقول المسلمون "الشبهات" بـ" أمية محمد ". إذ أن روايته لـ"حكاية صلح الحديبة" تشير إلى أن محمداً نفسه قد محى جملة "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" التي اعترض عليها أهل مكة وخط بيده: " هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله". وفيما بعد أشار الأزرقي في " أخبار مكة" بأن عدد الذين كانوا يتقنون الكتابة والقراءة قبل الهجرة هو أكبر بكثير مما تدعيه "الحكاية الرسمية" للمسلمين والتي هي أيضاً جزء من استراتيجية "إبعاد الشبهات" عن "أمية محمد".
وهناك أيضاً الكثير من المسلمين المعاصرين ممن "عجزوا" عن قبول أن يكون "نبي الإسلام" أمياً.
مثلاً فهد عامر الأحمدي الذي تساءل في (صحيفة الرياض السعودية): هل كان الرسول أمياً؟ وقد خلص في مقاله إلى:
"أخشى أن لا يتفق القول بأمية الرسول مع آيات كثيرة تتعلق بشخصيته المباشرة. فالله أعلم بحال نبيه حين أمره بالقراءة في أول كلمة نزلت عليه (اقرأ). وحين طلب منه جبريل ذلك رفض - من هول الموقف - وقال "ما أنا بقارئ" ولم يقل مثلاً لا أعرف أو لا أعلم.. وبعد أن توالى عليه الوحي لم يتهمه المشركون بالجهل والأمية بل على العكس اتهموه بإتقان حرفة الكتابة (وقالوا أَسَاطيرُ الأَولِين اكتتبهَا فهِي تملى عَلَيهِ بُكرة وَأَصِيلا) وحين أراد الله تزكيته من هذه التهمة ماذا قال؟ (رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يتلو صُحفا مطهرة)"![2]
أما د. كامل جميل ولويل فهو حين رفض أسطورة "أمية محمد" يقترح علينا أسطورة أخرى تدل على الفكرة المعاكسة. وتنتهي محاججته بصدد سورة "العلق" على أن محمد لا يمكن إلا أن يعرف القراءة والكتابة هكذا:
"كلنا ندرك أن الخلق من معجزات الله، كيف يأمره بأن يقرأ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب! إن أمر الله نافذ، لقد قرأ الرسول تلك الصحيفة التي عرضها عليه جبريل (ع)، ثم أعلمه تعالى أنه بعد أن يقرأ سيستطيع بفضله أن يكتب، وإلا ما فائدة أن يعلم محمد أن الإنسان يكتب بالقلم".[ 3].
9.
كما نرى من تفصيلات هذه القضية أن "التصريح" و"قبول" حقيقة معرفة محمد للقراءة والكتابة تفتح باب التأويلات بصدد مصادر القرآن على مصراعيها. وإن اتهام قريش بأن القرآن "من أساطير الأولين" يتضمن اعترافاً ومعلومة مقبولة من جانب المجتمع الذي يعيش وسطه من أن محمداً يعرف القراءة.
وهكذا فإن رفض الحقيقة المتعلقة بمعرفة محمد للقراءة والكتابة هي تقنية "منطقية" حاول المسلمون عن طريقها سَدَّ باب تذرع "نُقَّادِ" محمد ببشرية القرآن. وتحوَّل هذا المبدأ فيما بعد إلى عقيدة (صدقها الجميع) ومن ثم تحول إلى قاعدة فقهية تُحَرَّم من خلالها المُحَلَّل وبذلك تبطل الكثير من الأفعال والأقوال والممارسات والأشياء لا لأن الدين قد حَرَّمَهَا (ومن شروط التحريم في عرف الفقه نفسه أن يأتي به نص)، بل نتيجة لــ" تصورات وتأويلات" الفقهاء لا غير من جهة، ومن جهة أخرى هي تقنية تمنح "الفقهاء" حرية التحرك والقرار في عمليات التحريم. وبالضبط هنا تتضح الصورة الحقيقية للفقه: المصدر البشري الإرادي والتأويلي للأحكام الدينية.
10.
إن جوهر قاعدة سد الذرائع هو تحريم ما يُفترض أنه يؤدي إلى الحرام أو إلى الشكِّ في العقيدة. وهذا منطق فضفاض قادر على احتواء الكثير من الظواهر والأفعال والأشياء. ولكننا نرى أن هذه "القاعدة" هي ليست قاعدة تماماً. إذا أنها تخضع للانتقائية كالعادة.
فزراعة العنب، رغم أنها الشرط الحاسم لصناعة النبيذ والخمور، لم يتم تحريمها بحجة أن العنب لا يستخدم في صناعة الخمر فقط.
فلماذا، إذن، يُحَّرمُ الكحول لأغراض التعقيم والاستخدامات المنزلية الأخرى والتي لا علاقة لها بالشُّرْب؟
11.
انطلاقا مِنْ مَثَلِ "أمية محمد" فإن قاعدة "سد الذرائع" كفلسفة دينية (سواء تم الإشارة إليها أم لا) تسعى إلى إخضاع أفعال ونشاطات الإنسان إلى نوع من "الرقابة" ذات التبريرات "المتحركة" و"المتغيرة" استناداً إلى "ما يمكن" أن تؤدي إليه من وجهة نظر اللاهوت الإسلامي. وبذلك فإن "استحداث" المحرمات يكتسب صفة "شرعية" بفتوى من هذا "الشيخ" أو ذاك (بتعبير آخر: بجرة قلم!).
بل أن قاعدة "سد الذرائع" لها وجه تُحَلَّل فيه أفعال ونشاطات معينة إذا ما كانت لصالح سلطة الدولة أو السلطة الدينية، على سبيل المثال استخدام عقوبة "التعزيز" كعقوبة مشروعة في الأفعال و"المعاصي" التي لا تخضع "للحدود"، ويختلف حكمها باختلاف حالة الفعل وحال الفاعل [4]. والتعزيز عقوبة يمكن أن تتضمن الضرب أو الجلد رغم أن "الفقهاء" يدعون بأن الهدف ليس التعذيب.
ولكن ما هي الحدود الفاصلة ما بين الضرب (أو الجلد) والتعزيز؟
وعلى أي أساس يتم تحديد "المعصية" الخاضعة للتعزيز وما هي المعايير الممكنة لمعاقبة "هذا الفاعل" والصفح عن "ذاك الفاعل"؟
وهكذا يتم "تحليل" الضرب مثلاً (مع أن التعزيز يشمل السجن أيضاً) الذي سبق وأن حرَّمه "الشرع!"
هنا تتدخل قاعدة "سد الذرائع" وليس من الضروري أن تكون بالاسم. فالمنطق يؤدي إليها. لأن الأمر لا يتعلق بفعل محدد مسبقاً، كما يقول الماوردي "التعزيز تأديب"[5].
إنها فلسفة دينية إجرائية تُتخذ متى وأينما يتطلب الأمر!
12.
إن تطبيقات قاعدة "سد الذرائع" تكتسب خطورة استثنائية في شروط الحياة المعاصرة. لأنه يمكن أن يقع في شروط القاعدة عدد لا يحصى من الأعمال والنشاطات ومظاهر الحياة اليومية التي تُحَرَّم نظراً للقاعدة المذكورة وهي أعمال ليست محظورة (من حيث المبدأ) ولكن قد تؤدي إلى "الحرام"!
ويمكن أن ننظر إلى هذا النوع من التحريم مثلاً في إطار مستوى واحد فقط من الحياة تتعلق بالرجل والمرأة:
تواجد الرجال والنساء في مكاتب عمل واحدة، وفي قاعات دراسية واحدة؛ جلوس المرأة عي مقعد في الطائرة مجاور لرجل غريب؛ فحص طبيب (رجل) لامرأة؛ النشاطات الرياضية، سواء منها النسوية أو المشتركة مع الرجال؛ دراسة الفتيات خارج البلاد؛ خروج النساء للسوق وحدهن من غير " bodyguard" عائلي على الطريقة البدوية؛ سفر المرأة بلا محرم؛ الخلوة بالأجنبية، وغيرها الكثير جداً.




حكاية جديدة عن ملابس الإسلام القديمة!

لوحة هزلية من كتب الأطفال عن حكاية "ملابس الأمبراطور الجدبدة"

[هل كانت ملابس الإمبراطور الجديدة جديدة؟]

1.
لابد وأن يتذكر القُرَّاء حكاية "ملابس الإمبراطور الجديدة" وهي واحدة من قصص كرستيان أندرسن الجميلة. فقد استطاع خياطان "محتالان" إقناع الإمبراطور بأنهما سيصنعان له بدلة مدهشة لا يراها إلا "العقلاء" و"الحكماء"! فقدم لهم الإمبراطور الغالي والنفيس وكل ما هُم بحاجة إليه. وفي النهاية كانت الملابس الجديدة جاهزة:
وَهْمٌ ولا شيء آخر غير الوَهْم!
2.
لكن الإمبراطور صدق الوَهْمَ، بل ما كان عليه إلا أن يصدقه، وقرر ارتداءه، فانتشرت في أنحاء البلاد أخبار الملابس العجيبة الغريبة.
وحينما ارتدى صاحبنا ملابس الوَهْمِ وخرج إلى رعيته لكي يفخر بملابسه الجديدة أخذت "الرَّعِيَّة" تصفق وتهتف بجمال ملابس الإمبراطور الجديدة كالعادة وإلا سيتضح غباءها وتخلفها!
فمن صفات الرَّعِيَّة أن ترى ما يراه الشيوخ. وحين يعتقدون بأنهم يرون شيئاً بأنفسهم يتعوذون بذاك الذي يجلس على عرشه من الشيطان الرجيم – لأن الرؤية حرام من غير دليل فقهي!
3.
لكن الحقيقة "العارية" هي أنَّ الإمبراطور كان "عارياً" تماماً كجده آدم وجدته حواء "عليهما السلام!"، حتى من غير ورقة تين ولا حفنة حمراء من الطين!
لا أحد يعرف كيف انتهت حكاية الإمبراطور العاري، لكننا نعرف نهاية حكاية أخرى و"ملابس" أخرى لا يزال مَنْ يرتديها يدعون أنها ملابس عجيبة وَمُعْجِزَة!
4.
وهؤلاء هُم المسلمون!
الحق أن ملابس الإسلام العجيبة الغريبة ليست جديدة على أية حال. فعمرها على أقل تقدير 14 قرناً. ورغم وما تعرضت له هذه الملابس من تقلبات المناخ وآفات الزمن فإنها لا تزال كما هي: وَهْمَّية كما كانت منذ البداية تكشف عن عورة الإسلام الهائلة رغم "حمدلة" الرَّعِيَّة على نعمته والتهاليل والطبول والتبجيل!
5.
فعلى امتداد 14 قرناً يَحْلِفُ شيوخ الإسلام بأغلظ الأيمان بأنهم يرتدون ملابس الإيمان والتقوى؛ فهم "خير أمة" أُخْرِجَت للناس وهم الوارثون على الأرض وإن الشاهدَ على ما يقولون هُوَ إيمان "الرَّعِيَّة" التي تَرْعَى في مزارع الإسلام راضِيَة مَرْضِيَّة وخاضِعَة لا تَنْبَسُّ ببنتِ شَفَةٍ يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة صاغرين وحامدين الله على رحمته التي لم يرَهَا أحدٌ، داعين من "الواحد الأحد" إنْ يُلقي بزينته على ملابس الإسلام ويجعلها رحمة للناس أجمعين!
إنه الدِّينُ الذي ما بعده دِينٌ ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: هو إعجاز القرآن (!)، رغم أن نصف المسلمين لا يقرأون ولا يكتبون، أما النصف الآخر فكلهم يدَّعون القراءة! وكما يفخر أحدهم به لاحتوائه على أكثر من ستة آلاف آية [1]، "فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا"!
هل فهمتم:
هكذا يقول بعض المصابين بالهذيان: لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً!
لتموتوا في غيضكم أيها الملحدون!
فالإعجازُ إعجازٌ صحَّ أمْ بَطُلَ، رضيتم أمْ أبَيْتُمْ!
6.
إذا كان الأمرُ هكذا فلماذا، إذن، ينتشرُ الإلحادُ في كل مكان من مملكة الإسلام الهادئة؟!
إن ادعاءات مراكز اللاهوت الإسلامية بدور التحريض "الخارجي"، كما يسمون منتديات الإلحاد مثلاً والمئات من المنتديات والمدونات الأخرى، في تفشي الإلحاد بين أوساط الشباب في السنوات العشر الأخيرة هي محاولات يائسة للهروب من الحقائق المرة.
إن لانتشار الثقافة الإلحادية، من غير شك دوراً هاماً، في فتح الآفاق الواسعة أمام الشباب وتزويدهم بمعارف حقيقية تكشف عن زيف الإسلام. إلا أنَّه ومهما كانت قوة وفعالية الثقافة الإلحادية وتأثيرها على الشباب فإنه من غير الممكن أن "تَفْرُضَ" على الشباب قناعات لا تجد لها بذور داخل أعماقهم أنفسِهم.
إن السبب الذي تحاول وسائل إعلام سلطات اللاهوت الإسلامية ومن خلال صغار الكتبة والأميين والمصابين بالهوس الشيطاني إخفاءه هو أن عيون الشباب قد تفتحت ورأت ما لم تره من قبل حقيقة الإسلام "العارية": إنه عارٍ، وما الملابس التي يرتديها إلا وهمٌ لا غير!
فقد اكتشفوا حقائق القرآن المنافية للقيم الأخلاقية التي لم تعد تنسجم مع أبسط حقائق العصر!
واكتشفوا أنَّ في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، وأنَّ كلَّ معنى من معانيه يعارض المعنى الآخر، وإنَّ كلَّ حكم ينقض الأحكام الأخرى!
واكتشفوا حقيقة سيرة محمد المخزية والتي تتعارض مع القيم الإنسانية!
واكتشفوا أن "إعجاز" القرآن صناعية إسلامية لا وجود له!
واكتشفوا أكاذيب التاريخ الإسلامي ودَجَلَ الفقهاء وخواء القيم الإسلامية!
واكتشفوا بأنهم يعيشون في الماضي متخلين عن المستقبل!
ولهذا قالوا:
14 قرناً من الأوهام كفاية!
5.
وليس من الصدفة أن في حكاية "ملابس الإمبراطور الجديدة" قد صدَّق الجميعُ أخبارَ الملابس العجيبة الغريبة إلا الأطفال. فقد رأوا بعيون واسعة مفتوحة أن الإمبراطور عارٍ ولم تنطلِ عليهم الحيلة!
إن التستر على عري الإسلام قد أصبح محال:
ففي مقدورِ كلِّ صَبِيٍّ أن يختبر صدق كلام المسلمين بضغطة زر على التلفون النقال ليكتشف الحقيقة:
إنهم يكذبون!


[أشْهَدُ إنهم سيرون يوماً بأنَّ الإمبراطور عارٍ – هذا أمر لا ريبَ فيه!]


[1] أتحدى المسلمين إذا كانوا قادرين على تقديم رقم محدد لعدد آيات كتابهم "المقدس!" من غير أن أثبت بوثائق من كتبهم بأن الرقم مختلف!



المهاتما غاندي ومحمد في الميزان!



1.

 महात्मा "المهاتما" بالسنسكريتية تعني "الروح العظيمة" كما سماه شاعر الهند طاغور (ولم يسمِ نَفْسَهُ بنَفْسِهِ كما فعل محمد)

كيف تحوَّل هذا الرجل النحيل الذي يكاد يتضاءل من الجوع والألم على مصير بلاده الغارقة بالحرب الطائفية إلى "روح عظيمة" بدون حروب شنها على الآخرين وبدون جيوش تحميه [حتى حين أرداه قتيلاً الهندوسي المتعصب]؟!
2.
لم يتحول غاندي إلى الروح "العظيمة" بالنسبة لشعبه بالكراهية، ولا بالغزوات، ولا بامتلاك الإماء وملك اليمين واغتصاب الأطفال ولا بعشرات النساء [في المرحلة الأخيرة من حياته لم تعد بينه وبين زوجته أية علاقة جسدية وتحولت زوجته إلى رفيقة درب لا غير]؛ ولم يتحول إلى رمز عالمي ولمختلف الانتماءات الدينية والأثنية والسياسية في العالم بفرض عقيدته بحدِّ السيف، ولم يشهر سلاحاً، ولم يقتل، ولم يهدد؛
لقد فعل كل هذا بشعار "اللاعنف" الذي يتناقض جذرياً وعلى امتداد خط الأفق مع عقيدة محمد!
3.
في "مسيرة المِلْحِ " لم يقل غاندي لأنصاره “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ” بل علَّمَهم نساء ورجالاً على عدم الردِّ على الجنود الإنجليز الذين كانوا يستخدمون الهراوات والأسلحة النارية.
ساروا بقوة الإيمان الروحي بعدالة قضيتهم، بعدالة حرية الهند وقد كان غاندي أمامهم.
4.
لم يَدَّعِ بأنه مُرْسَلٌ من السماء، ولم يفبرك كتاباً مملاً استله "من اللوح المحفوظ"!
ألهم أنصاره في الهند وخارج الهند بفلسفة احترام الإنسان والشعوب فربح احترام أعداءه ومنافسيه.
5.
إن فلسفة العصيان المدني السَّلمي تحول إلى تراِث عالمي وألْهَمَ ملايين الناس على الدفاع عن حقوقهم من غير أن يحرضهم على أن يفجروا أنفسهم في محطاِت المترو، وإزهاق أرواح الأبرياء أطفالاً ونساء، وتفجير القطارات، واغتيال الرسامين!
ولم يعتبر نفسه عندما كان حياً أفضل من الآخرين؛ ورفض أن يتحول إلى شيء مقدس؛ ولم يحتل مركزاً حكومياً بعد استقلال الهند؛ ولم يحصل على قصور ولا أموال!
بل إن أنصاره بعد مماته لم يكفوا عن احترامه كما كان حياً: رجلاً بسيطاً لا يضع على جسده النحيل إلا إزار بسيط رخيص!
6.
وإذا لم يكن بمقدور محمد أن يتعلم من غاندي [لأسباب تاريخية]، فإن على المسلمين أن يتعلموا منه لعلهم يحوزون على احترام الآخرين!


ملاحظة منطقية خاصة لمن يتصيد بالماء العكر:
غاندي إنسان؛
والإنسان مثلما هو آيل إلى الفناء فهو يخطأ ويرتكب الذنوب؛
إذن: غاندي آيل إلى الفناء يخطأ ويرتكب الذنوب. 
لكنه لم يتحول غاندي إلى الروح "العظيمة" بالنسبة لشعبه بالكراهية، ولا بالغزوات، ولا بامتلاك الإماء وملك اليمين واغتصاب الأطفال ولا بعشرات النساء.
هذه حقيقة تاريخية يعرفها الملايين من معاصرين غاندي  والملايين بعد موته.
وهذا ما لا يمكن قوله عن ىمحمد.



ِ

متلازمة النَّعَّامَة والإسلام!







1.
كان عصر الحداثة بالنسبة للمسلمين محنة عجزوا عن الخروج منها ولم يخرجوا منها حتى اللحظة الراهنة. فقد طرحت الحداثة عليهم أسئلة لم يجدوا الإجابة عليها وتحديات عجزوا عن تخطيها.
فقد لعبت الوراثة دورها (ولا تزال!) في أن تجعلهم يجرجرون أذيال التخلف وراءهم من غير حول ولا قوة:
فالمسلمون عاجزون عن مواجهة العالم الذي حولهم بدون "السيف"!
2.
ولهذا فقد قرروا، مستلهمين استراتيجية النَّعَّامَة، أن يدفنوا رؤوسهم في الرمال العربية أو في "تربهم" المقدسة [1]!
فعندما ينظر المرء إليهم من بعيد فإنه لا يعرف بالتأكيد فيما إذا كانوا يُصلُّون أمْ يقلدون في سلوكهم من الناحية السيكولوجية ما يسمى بـ"متلازمة النَّعَّامة" التي تدفن رأسها في الرمال هروباً من المخاطر [2]!
فعندما "يدَّعون" بأنَّ الإسلام "حرر العبيد!"، و "منح المرأة حقوقها!"، وهو "دين التسامح!" وغيرها من أحلام اليقظة التي تحولت إلى تعاويذ يهربون إليها للتخلص من حقائق الدين المُرَّة فإنهم يفعلون كما تفعل النَّعَّامة في المتلازمة الشهيرة!

3.
فمنطق الكتابات العربية – الإسلامية في منذ بداية القرن العشرين هو إمَّا تكرار مُمِلٌ خَالٍ من الموهبة والجِدَّة وإمَّا دفاع قبلي ببغائي عن إشكاليات العقيدة الإسلامية التي كشفت عنها الحداثة.
إلا أن اللاهوت الدفاعي الإسلامي بمرور السنين استحال إلى لاهوت للأكاذيب:
مرة على الآخرين!
ومرة على النفس!
وعندما اختلط نوعا الأكاذيب عليهم فَقَدْ فَقَدُوا تبين الحدود الفاصلة ما بين الكذب والحقيقة وهذه من أعراض "الذهان" الديني!
4.
هنا دخل المسلمون في الطور الثاني من المِحْنَة:
احتقار الحقائق والوقائع الملموسة!
إذن أن تخلف مضامين نصوصهم الدينية خلق أزمة دينية وأخلاقية وسط الشباب من جهة وفضحت الوجود الإسلامي بين الأمم من جهة أخرى. وكالعادة وبدلاً من تصحيح مسار عقيدتهم وإصلاحها يتبعون استراتيجية النَّعَّامة في المتلازمة المشار إليها ويقومون بصناعة عصرية تأويلية شاملة للنصوص التي أثبت التاريخ فشلها وتناقضها مع المنطق والأخلاق السوية حتى بالنسبة للكثير من المسلمين كمواطنين في مجتمعات معاصرة. فقد أصبح من الصعب على الناس العودة إلى عصور محمد والصحابة والتابعين المتخلفة.
5.
وها نحن في هذا الطور الإسلامي الذي تكلمت عنه في "ما الفرق ما بين الكذب النازي والإسلامي؟" هو الكذب الشامل على الذات هروباً من محن العصر وتحديات التطور البشري.
فعمليات الكذب على النفس لها مفعول المخدرات تدفع حيناً إلى النسيان وحيناً أخر إلى الهلوسة!
إن هذا الوهم الذي يعيش فيه المسلمون له في بعض الأحيان تأثيرات علاجية يعيد إليهم نوعاً من التوازن المفقود والشعور بالدونية. لكنه في نفس الوقت يحولهم إلى شيء مضحك لم يعد بالإمكان التستر عليه.


ملاحظات:
[1] "التُّربة" هي قطعة من الطين المجفف التي يدعي الشيعة بأنها مأخوذة من أرض مقدسة "كربلاء" يضعون عليها جباهم في السجود!
[2] إن تفسير الناس لدفن النعامة لرأسها في التراب لا يستجيب للتفسيرات العلمية. فللنعامة أسباب مختلفة في القيام بهذا السلوك، من ضمنها هو أنها تتأكد من بيوضها المدفونة في الأرض؛ كما أنها عن طريق الذبذبات المارة عبر الأرض تتعرف على صوت خطوات الحيوانات المفترسة.
لكن التصور الشائع لدفن النعامة رأسها في التراب تحول إلى "متلازمة" تعبر عن امتناع الناس عن مواجهة الحقائق والمشكلات التي تواجههم. وهم بدلاً من البحث عن الحلول الواقعية تراهم يفعلون كمن يدفع رأسه في التراب هروباً من المشاكل!
يقولون إن الشخص الذي يرفض مواجهة مشكلاته، أو يرفض أن ينظر للأمور بصورة واقعية، هو كمن يدفن رأسه في الرمال مثلما تفعل النعامة.
للمعلومات:
النعامة لها دماغ لا يتعدى حجم "حبة الفاصوليا"، وليس لهذا "الدماغ" إلا ثلاث وظائف:
1.الجنس والتكاثر.
2.البحث عن الغذاء.
3.والهروب من المخاطر.
قارن هذا مع عقلية المسلمين وسوف تجد أن في مقارنة المسلمين بالنعامة فيها ما يبررها!


هل المجتمعات الإسلامية متخلفة؟ [1]


عنوانين إسلامية:

هل المسلمون متخلفون؟

لماذا أصبح المسلمون متخلفين؟
لماذا نجد غير المسلمين أفضل أخلاقا وتطورا؟!
هل المسلمون الآن متخلفون وكيف يمكن النهوض بهم ؟
هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟
المسلمون متخلفون في الماضي والحاضر.
هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟
لماذا تأخر المسلمون وتقدم المسيحيون؟
سؤال النهضة: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟
لماذا تقدم الغرب وتخلفنا؟
لماذا يتعثر العرب ويتقدم الآخرون؟
كتاب: اهتمام الفلاسفة المسلمين بالمنطق سبب تخلف العلوم التجريبية في العالم العربي
كتاب: من المسؤول عن تخلف المسلمين
كتاب: سر تأخر العرب والمسلمين لمحمد الغزالي
كتاب: أسباب تخلف المسلمين
1.
هذه مجرد أمثلة على التساؤل: " هل المسلمون متخلفون؟" تمت صياغتها بأشكال مختلفة لم ينفك يطرحها الكثير من المسلمين (ومن بينهم رجال دين).
ولأنني أطرح الآن هذا السؤال بنفسي، فإنني أجد من اللازم تحديد مَنْ هم المعنيون بـ"المسلمين" المتخلفين.
أنا لا أرى بصحة تعبير :"المسلمون متخلفون" حينما يُطلقُ ويُعمم. لأنَّ أيَّ إطلاقٍ مناقض للمنطق والواقع التجريبي. فنهاك مسلمون (رغم أنهم يشكلون أقلية إحصائية محدودة للغاية) لا ينطبق عليهم مفهوم التخلف، وهُمْ ناس مؤهلون لكي يشاركوا في عملية تطور بلدانهم إن توفرت الظروف السياسية والاجتماعية لذلك. لكن ندرتهم الإحصائية يجعلهم خارج مجتمعاتهم بالمعنى المجازي، أو بالمعنيين الحرفي والمجازي على حد سواء [وليس من النادر أن تسميهم مراكز السلطة الدينية عملاء للأجنبي!].
2.
إن طبيعة الأنظمة السياسية العربية/الإسلامية، والتي تحدثت عنها في " الثلاثي المقدس: الإسلام والعروبة ودولة حكم الأقلية" بالتفصيل، عاجزة بنيوياً (سياسياً ودينياً) عن قيادة عمليات تطور حقيقية. بل إنها هي بالذات من عوامل التخلف السياسي والاقتصادي الاجتماعي والثقافي.
ولهذا فإننا حين نتحدث عن تخلف المسلمين فإن الأمر يتعلق بالمجتمعات الإسلامية والدول التي تمثلها.
3.
نظراً لعلاقتها بالموضوع أعيد الآن الإشارة إلى أطروحة سبق لي وأن طرحتها أكثر من مرة وهي أن:
العقيدة السلفية هي العقيدة الوحيدة المنسجمة مع نصوص القرآن والسنة وبدون لف ودوران!
أما من يسمون أنفسهم "معتدلين" و"ووسطيين" وغيرها من الأسامي فهي اتجاهات تعبر عن قرار سياسي حكومي لا إيمان وعقيدة!
4.
فكل عقيدة إسلامية مهما كانت ومتى انتشرت تفترق عن العقيدة السلفية تشكل تنازلات واقعية وملموسة (وأنا أرحب بها) عن عقيدة القرآن.
لا يمكن للمرء أن يَقْبَلَ كلَّ ما جاء في القرآن وأن يكون معتنقاً لعقيدة مغايرة للسلفية. وإن ادَّعَى المرء مثل هذا الأمر فهو محض ادعاء والادعاءات مجانية في جميع المحلات التجارية!
5.
وبعد أنْ وضَّحْنا ما ينبغي توضيحه نبدأ بالسؤال:
هل المسلمون متخلفون؟
6.
إذا كانت الإجابة بِنعم:
فلماذا هم متخلفون؟
وما هي مظاهر هذا التخلف؟
7.
وإذا كان الجواب بِلا:
فما هي الأدلة (ليس العقلية - الكلامية السخيفة والثرثرة المدرسة والفقهية) على أن المسلمين غير متخلفين الآن وفي التاريخ الذي نتنفس فيه: عام 2020
ما هي مظاهر التقدم الفعلية الملموسة المحددة في المجتمعات الإسلامية؟
ما هو مستوى المدارس والجامعات في الدول الإسلامية؟
ما هي المنجزات العلمية (الفعلية) التي تم التوصل إليها في الجامعات ومراكز البحوث العلمية (لا أعني كتب الوضوء والنجاسة والحيض)؟
ما هي نسبة المتعلمين؟
8.
للاطلاع: 
كل هذه العنوانين (مقالات وكتب) لمؤلفين مسلمين.


الإسلام دين عبودية [3]: العبودية في اللغة والأدب [1-2]



[صورة لطفل عبد في زنزيبار أثناء معاقبة سيده العربي له. حوالي عام 1890 -ويكيبيديا]

"إن عبودية القن تجعل السيد يفقد إنسانيته أيضاً"!
هيغل
كما أشرت في الحلقتين السابقتين إلى أن الهدف من هذا الموضوع يتعدى تقرير واقع " أن الإسلام لم يلغ العبودية". فهذا واقع لا جدال فيه (وإن جادل فيه المسلمون). إذ أن حصر "العبودية" في إطار "عدم إلغاء الرق" فقط ابتسار واختصار للقضية. وهذا ما يرحب به المسلمون دائماً حتى يتسنى لهم توظيف أسلحة اللغة العربية الفضفاضة والبلاغة الخطابية الخالية من المعنى والاستشهاد بنصوص أكثر "فضفضة" وهي نصوص مختلقة "حسب الطلب " تأتي مرة على لسان هذا ومرة على لسان ذاك.
في هذه الحلقة والحلقات القادمة سأقوم بمحاولة الكشف عن فكرة العبودية في ثقافة المسلمين وبشكل خاص في اللغة والأدب والفقه وفي إطار مراحل تاريخية مختلفة.

ملاحظة هامة: إن هذه الأمثلة أمثلة اعتباطية وغير منتقاة وهي منتشرة في كتب النحو القديمة والحديثة. فثمة العشرات في ذاكرتي (وبكلمة أدق ذاكرة القراءة)، غير أنَّ حرصي على التحقق منها عبر الكتاب المحدد والاقتباس المحدد يتطلب الكثير من الوقت. ولهذا فقد اكتفيت بهذا العدد وبقدر ما توفر لدي من الوقت.
1.
إن اللغة، بحد ذاتها، لا يمكن أن تكون لغة عبودية أو لغة للتحرر. فهي من جهة وسيلة محايدة تنعكس فيها أهواء وثقافة من يستخدمها والأهداف التي يسعى إليها. لكن استخدام اللغة "المُقَنْوَن" باتجاه أهداف معينة من جهة أخرى يحمَّل اللغة معان وتصورات ومفاهيم تكتسب بمرور الوقت استقلالاً نسبياً.
لقد استغل المسلمون اللغة العربية أبشع استغلال وتصرفوا بدلالات الكلمات كما شاءوا من أجل ترسيخ قيم وأوهام معينة. ولأن كلَّ هذا كتبوه ونشروه فإنه بقي شاهداً عليهم.
2.
ولنبدأ منذ البداية:
مفهوم الإسلام:
تبدأ ثقافة العبودية بالدلالة اللغوية للإسلام: باعتباره الخضوع والاستسلام.
فالإيمان وقبل كل شيء ليس اختياراً، ليس قناعة، ليس اعتباراً وإدراكاً وتقبلاً وتقوى" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ "، و"مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا "بل: خضوعاً واستسلاماً وعبودية. ونجد منطق الإيمان المفروض بالقوة في صرخة محمد نفسه:
"أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أنَّ لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمداً رسولَ الله "!
فهل يعرف التاريخ نصاً مفزعاً مثل هذا النص ولرجل يَدَّعِي بأنه يحمل رسالة من السماء؟!
وقد قامت السلفية القروسطية والمعاصرة بتطوير وتعميق فكرة الخضوع والاستسلام حتى النهاية في مفهوم "العبودية لله".
وهذا هو المعنى الذي منحه فقهاء الإسلام لكلمة “دين” في اللغة العربية وهو يتعلق بالطاعة والحساب والعادة. ونجد لهذه الدلالة انعكاساتها في معاجم اللغة العربية:
"وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان لـه يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ.
وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون" [مقاييس اللغة]
"والدينُ الطاعةُ" [صحاح اللغة]
" وقد دِنْتُ به، بالكسر، والعادةُ، والعِبادةُ، والمُوَاظِبُ من الأَمْطَارِ، أو اللَّيِّنُ منها، والطاعة"[القاموس المحيط]
2.
مفهوم العبودية:
يقول ابن تيمية:
" والدين يتضمن معنى الخضوع والذل، يقال دنته فدان أي أذللته فذل، ويقال ندين لله أي نعبد الله ونطيعه ونخضع له. فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له.
والعبادة أصل معناها الذل أيضاً، يقال الطريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام " [1]
فالعبادة مدعاة للذل وليس للشعور بالكرامة الإنسانية والمسلمون قطيع من الأغنام لا كرامة لهم عند الله ولا اعتبار. وهذا هو جوهر الفلسفة الذي منحه الإسلام لأهداف الله: " وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون". فالعبادة هدف بذاته وليست شعوراً بالولاء والامتنان بل هي "الخضوع والذل" على حد ابن تيمية.
وقال القرطبي
"أصل العبادة: التذلل والخضوع، وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات، لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى" [2].
ولمفهوم العبودية عند ابن عثيمين، ثلاثة أقسام:
1.عبودية عامة، وهي عبودية الربوبية ويدخل في ذلك الكفار (أي حتى الكفار جزء من العبودية)؛
2. وعبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة العامة، وهذه تعم كل من تعَبَّد لله بشرعه؛
3. وخاصة الخاصة، وهي عبودية الرسل. وهذه العبودية المضافة إلى الرسل خاصة الخاصة؛ لأنه لا يباري أحد هؤلاء الرسل في العبودية [3].
فلا يكفي أن يكون "العبد" عبداً لفكرة "الله"، بل إن هذه العبودية لا تكتمل إلا بعبوديته للرسل!
وهنا تقع فلسفة العبودية في تناقض: أليس "الرسل" عبيداً لله فكيف إذن يشاركونه في السيادة، أو بكلمة أخرى كيف يُشرك "العبد" الرسل في عبوديته لله؟
3.
وإذا ما كان "العبد" صيغة المذكر فإن الثقافة الإسلامية لا تكتفي بذلك. إذا لابد أن تشمل "العبودية" صيغة التأنيث "الأَمَة" وهذا ما نجده في أحد أحاديث محمد، نقلاً عن الشافعي: “حدثنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنا بعض أهل العلم عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وإذا خرجن فليخرجن تفلات" [4].
و"إماء الله" هنا تعني: النساء!
إذن، لله "إماء" مثلما لمحمد النساء. وهذه من التفصيلات التي لا تعد ولا تحصى على تطابق شخصية "الله" بشخصية محمد.
وهنا تكتمل الحلقة: الناس (ذكوراً وإناثاً) هم "عبيد" و"إماء" لرب مُخْتَلَقٍ مصنوعٍ من أوهام أكثر الفئات الاجتماعية تخلفاً.
وإذا ما عدنا لما يقوله هيغل:
"إن عبودية القن تجعل السيد يفقد إنسانيته أيضاً"!
فهل تبقَّى لفكرة "الله" بعد أن حوَّل البشرية إلى عبيد وإماء شيئاً من الإنسانية؟!
4.
ولكي تكتسب العبودية الروحية والعقلية صفة رسمية (على مستوى الوثائق الرسمية) يتميز الإسلام مثلما بالعبودية الروحية فإنه يتميز وحده بـ"أسماء العبودية"!
فطالما كان المسلمون عبيداً صفةً ومكانةً فإن عليهم تحويل هذه العلاقة إلى أسمائهم وترسيخها، ولأنَّ لربهم تسعة وتسعين اسماً (وهذا واحد من سمات هراء اللاهوت الإسلامي) فإن عليهم بصفتهم عبيداً أن يحملوا هذه الأسماء. ومن هنا بدأت تقاليد الأسماء العربية المركبة من أضافة كلمة "عبد" إلى "الله" (وأسمائه التسعة والتسعين!):
عَبْدُ الله [5]، عَبْدُ الغفور، عَبْدُ الرحيم، عَبْدُ الجبار، عَبْدُ الرزاق، عَبْدُ المولى والجميع يعرف القائمة حتى آخرها!
ولم يكتف "الفقه" الإسلامي بذلك. فهو حين يُحَلِّل شيئاً فإنَّ عليه أنْ يحرِّمَ شيئاً آخر. فقد حرَّم "الفقه" الإسلامي قديماً وحديثاً مجموعات كثيرة من الأسماء على سبيل المثال:
- الأسماء الخاصة بـ"الله" [باللغة المعاصرة: ماركة مسجلة]، كالخالق والقدوس، أو بما لا "يُليق" إلا به كـ"ملك الملوك". وأضاف ابن القيم: الله والرحمن والحكم والأحد، والصمد، والخالق (الممكن هو عبد الخالق)، والرزاق، والجبار، والمتكبر، والأول والآخر، والباطن [ولماذا لا والخارج؟]، وعلام الغيوب ..إلخ
- تحرم التسمية بالأسماء التي لا تليق إلا بـ"محمد" كـ"سيد ولد آدم"، و"سيد الناس"!
- التسمية بالأسماء الأعجمية المولدة للكافرين الخاصة بهم.
وهناك مجموعات كثيرة من الأسماء جداً تم اعتبارها محرمة أو "مكروهة"!
فلقد حرم "فقهاء" السنة مجموعة من الأسماء التي تبدأ بـ"عبد" مضاف إلى غير "الله"، مثل: "عبد الكعبة"، و"عبد الدار"، و"عبد علي"، و"عبد الحسين". وهنا اصطدموا وجهاً بوجه مع عقيدة شيعية راسخة تستخدم أسماء "الأئمة المعصومين والتابعين لهم" مبتدئة باسم "عبد"، مثل:
عَبْدُ علي، عَبْدُالحسين، عَبْدُ الحسن، عَبْدُ الهادي، عَبْدُ المهدي، عَبْدُ الأمير.
هنا يقوم الشيعة (بوعي أو بغير وعي) بخرق مبدأ "العبودية لله" مضيفين "العبودية إلى الأئمة المعصومين". وهذا أمر لا يخرج عن إطار عقيدهم الدينية بمكانة "المعصومين" في المنظومة الدينية الشيعية.
5.
مَنْ يُطالع كتب النحو لابد وأنه قد اصطدم بظاهرة الأمثلة النحوية الغريبة التي تكرس العبودية والتفرقة العنصرية إزاء الآخر. ففي الوقت الذي يدعون فيه الثراء "الكوني" للغة العربية ومفرداتها فإن الأمثلة التي تكرس فكرة العبودية و"القيمة السلعية" للعبد أصبحت وكأنها عماد اللغة.
ربما كان سيبويه "148 هـ - 180 هـ / 765 - 796م) "هو الذي أرسى في أمثلة النحو تقليداً غريباً، وعندما يتعلق الأمر بالأمثلة المتعلقة بالأعداد، يشيع استخدام الفعلين: "اشتريت" وأعطيت حيث يكون المعدود إما "عبداً" أو "جارية"!
في "الكتاب" نقرأ مثلاً:
"وتقول أعطاه خمسة عشر من بين عبد وجارية، لا يمكن في هذا إلا هذا؛ لأن المتكلم لا يجوز له أن يقول: خمسة عشر عبداً فيعلم أن ثم من الجواري بِعِدَّتهم، ولا خمس عشرة جارية فيعلم أن ثم من العبيد بعدَّتهن، فبل يكون هذا إلا مختلطاً يقع عليهم الاسم الذي به العدد".[6]
ولكن:
ألا يستطيع عالم اللغة هذا والمتبحر بالمفردات العربية القول مثلاً:
أعطاه خمسة عشر من بين جمل وناقة؟
واشترى خمس عشرة ناقة؟
بل يستطيع إعطاء عشرات الأمثلة على العدد والمعدود. ولكن كما يبدو أن فكرة "العبد" و"الأَمَة" أكثر قرباً عندهم إلى "قيمة السلعة" من الجمل والناقة!
6.
في "كتاب خزانة ولب ألباب لسان العرب" يقول البغدادي (1030-1093م):
وهو إذ يكرر أمثلة سيبويه من "الكتاب" يضيف:
"وقد عمم الشارح المحقق في قوله: "الغلبة للتذكير، نحو اشتريت عشرةً بين عبد وأمة، ورأيت خمسة عشر من النوق والجمال ..."[7]
لكنه يمضي إلى أبعد من هذا من حيث مساواة الجمال بالإماء كسلعة:
"... وهذا يشمل ما لو كان مع غير عاقل، نحو: اشتريت أربعة عشر بين عبدٍ وناقة، أو بين ناقة وعبد. وكذا يغلب مؤنث العاقل على غيره، فتقول: اشتريت أربعة عشرة بين جمل وأمة، أو بين أمة وجمل. قال أبو حيان: هذا هو القياس"[8]
7.
وفي "النفحة التواتية على التحفة الوردية في معرفة القواعد النحوية" وفي باب (كم) وبصدد شرحه لتمييز العدد يقول المؤلف:
" ... نحو: (كم عبداً ملكت) و(اشتريت عشرين عبداً) ...الخ[9]
8.
في باب الاستثناء نقرأ من "شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي" للقاضي عضد الملة والدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفي 756 ه):
" ... أحدهما أنَّا نقطع أن من قال اشتريت الجارية إلا نصفها لم يرد بالجارية نصفها وإلا لزم استثناء نصفها من نصفها وهو غير مراد قطعاً .... إلخ" [10]

**********
[1] العبودية، ابن تيمية، بيروت 2005، ص 48
[2] مغني المريد الجامع لشروح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عبد المنعم إبراهيم، مجلد 1، مكة عام 2000، ص 217
[3] أنظر: المصدر السابق، ص 254
[4] الأم، الشافعي، الجزء العاشر، 2001 المنصورة، ص 127
[5] لا توجد أدلة تستحق الاعتبار بوجود هذا الاسم قبل الإسلام. إذ أن الاسم الشائع هو عبد اللات. ولأنَّ أبا محمد كان يحمل هذه الاسم فقد قرروا تحويله إلى "عبد الله".
[6] الكتاب ج4، سيبويه، القاهرة 1996، تحقيق عبد السلام هارون، ص 564]
[7] خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي (1030-1093)، ج7، القاهرة 1996، 408
[8] نفس المصدر: 409
[9] النفحة التواتية على التحفة الوردية في معرفة القواعد النحوية (جزءان بمجلد واحد، محمد سالم بن عبد القادر بن عبد الكريم التواتي الجزائري (المتوفي عام 749 هـ، دار الكتب العلمية بيروت 2017، ص426]
[10] شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي، القاضي عضد الملة والدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفي 756 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت 2000، ص 204]


للموضوع بقية:

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر