1.
للحقيقة وجوهٌ لا عَدَّ لها ولا حَصْرَ!
غير أنها غالباً ما تتبدى وتتظاهر بوجوه مزيفة مصنوعة من نسيج اللغة!
إنَّ اللغة في حدِّ ذاتها ليست كاذبة أو صادقة. هي وسيلة محايدة، لكنها حين تكون في يد سُلطة الزمان وحُرَّاس المكان ـ السلطات المدنية والدينية، فإنها تستحيل إلى آلة للقمع الشامل ليس للحاضر القائم فقط، بل وآلة قمع للتاريخ وتزييفه إلى حدود لا نتبين منه "الخيط الأبيض من الأسود"!
حينئذ تصبح اللغة كاذبة: لا معنى لها ولا تشير إلى أية وقائع ـ تستحيل إلى "خَلْطَة" لغوية وفقهية تمتزج فيها الأكاذيب الكبيرة بـ “الحقائق الصغيرة" فيبدأ وَهْمُ التاريخ بالتشكل ونشرع بالدخول إلى ملكوت الأساطير والخرافات.
الحقيقة، إذن، هناك ـ حيث لا نراها إلا حين نمزِّق الغلاف الخارجي للظواهر اليومية التي تبدو وكأنها مُحَايدَةٌ، بريئة، وخالية من الأوساخ!
2.
إنَّ عَالَمنا وتاريخَنا مصنوعان من الأوهام والأكاذيب: في السياسة والدين والاقتصاد والقوانين وكل ما يتعلق بوجودنا الأرضي: لا شَيءَ آخر غير " أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ "!
فقد صنعنا "تاريخاً" لا يستند إلى أيِّ تاريخ، "حقائق" لا تستند إلى أيِّة حقائق ثابتة أو حركة واقعية للحياة ـ ثقافة تاريخية مزيفة لا علاقة لها بالوجود الحقيقي!
هناك سنجدُ أصناماً تُعْبَدُ أكثر عبادةً من الوثنيين لأصنامهم!
هناك سنجدُ أساطير وخرافات سيسخر مِنَّا بسببها حتى مَنْ سميناهم "جاهليين"!
هناك سنجدُ أنفسنا نعيش وسط عالم متخلف، ملتحف بالدين والأمية إلى حدِّ الاختناق!
هناك سنجدُ الملايين من البشر سعيدة في هذا الحضيض، وحين تسوء الأحوال بسبب الحروب والكوارث والفساد الاقتصادي والإداري ـ وهي عندهم لا تسوء إلا لأن "الله" قد قرر امتحانهم، وحينئذ فقط، تراهم "يتحركون" ويوجهون أنظارهم ليس إلى "الله" الذي دفعوا حياتهم ثمناً لوجوده، بل صوب الغَرْبِ "المُسْتَعْمِر" و"الكافر" و"الظالم"، كما يقولون، بحثاً عن المأوى والحياة الكريمة!
3.
إنه هَوَسٌ مَرَضيٌّ بالدين في أسوء "نسخة" له!
هَوَسٌ بما يفارق العقل واكتشافات العلم وثقافة العصر!
إنَّه عصرنا الجاهلي القارِّ حيث شرعت دول بِرُمَّتها برفض العقل والتاريخ الواقعي رفضاً قاطعاً وأخذت تعبد أصنامها ـ التي سمُّوها كما يحلو لهم!
4.
لقد نسوا واقعهم الفعلي القبيح ووجهوا أبصارهم إلى السماء، فنسوا الأرض ومن عليها!
أصنام في كل مكان: من المدرسة إلى الجامعة! ومن الشارع إلى سرير النوم!
إنهم أسوء من عَبَدَةِ الأصنام! لأن عَبَدَةِ الأصنام يعترفون بذلك، أما هم فيعيشون في وَهْمٍ شامل، مغلق، مديد، عميق، لا خلاص منه!
إنَّهُ وَهْمُ الإيمان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق