1.
لن يعرفَ معنى الحرية مَنْ يستلقي في حضيض ثقافة العبودية الدينية.
ولن يحلمَ بالحرية مَنْ لا يحلم إلا بأوهام الآخرة - والإيمان بالآخرة هي حضيض الثقافة الإنسانية.
والإلحاد هي ثقافة الحرية وهذا هو مذاقها عند جميع الملحدين الحقيقيين.
الإلحاد هي الثقافة التي يُصبح الإنسانُ فيها سيدَ نفسه، وأميرَ عقله، وخليفة مشاعره. وهذا ما لا يعرفه المؤمن الخاضع لإرادة فكرة "الله"؛
الذليل أمام أوهامه؛ العبد لمشيئته؛
المطيع لشيوخه؛
والرجل الخنوع الذي لا يكل من التصفيق أمام صورة الرئيس.
غير أن ثقافة الحرية لا يمكن شراءها من محل بقالية شيوخ الدين ولن يستشعرها إلَّا مَنْ ودَّع "حظيرته".
أول الأشياء التي يستشعرها مَنْ غادروا الإسلام:
هو الشعور بالحرية والكرامة الشخصية والأسف على ما ضاع من سنين العمر في مملكة العبودية.
2.
وعلي تحذير من "يتصيد" الحيتان في الماء العكر:
ليس الإلحاد يوتوبيا من أي نوع كان:
فهو ليس "المجتمع المشرق" الشيوعي الذي ظهر أنه مجتمع الحاجة والعوز والاستبداد وغياب أبسط الحريات المدنية؛
وليس هو خرافة "الجنة" الإسلامية؛
إنه ببساطة: العيش بدون أوهام عن عالم آخر؛ العيش هنا والآن وتحمل متاعب الحياة وأزماتها باعتبارها متاعب الحياة وأزماتها ولا شيء آخر.
3.
وظيفة المطيع الخانع:
ارتبط الدين الإسلامي بـ"السلطة" السياسية وهو ارتباط مصيري وقد حدث منذ تأسُّسِ الدولة العربية التي اتخذت صيغة دينية من نوع غير واضح المعالم ومن ثم أطلق عليه "الإسلام".
ولم تكن مساعي محمد [ استناداً إلى السيرة الأدبية الرسمية الإسلامية] إلَّا الوصول إلى هذا الهدف. وربما كان هذا هو واحد من العوامل الأساسية التي دعت محمداً إلى البقاء في يثرب. فقد كان واضحاً أنَّ قريش (والأمويين بشكل خاص) ستسعى إلى مشاركته في السلطة. ولهذا فقد تحول في يثرب إلى الحاكم الأوحد وترك أبا سفيان حاكماً لمكة.
وهذا ما جعل المسلم طوال تاريخ الإسلام خادماً مطيعاً للدولة. وإن حصل أن يكون هذا المسلم أو ذاك قد طردته الدولة من رحمتها بسبب طائفته فإنه يظل يحلم بدولته الخاصة التي يكون فيها خادماً مطيعاً لا غير.
4.
إن المسلم لا يسعى إلى الحرية. فقد حلَّت فكرة "الآخرة" محل الدنيا، والجنة محل الحياة - فما حاجته إلى الحرية؟!
فالحرية مناقضة لثقافة الخضوع الدينية.
الحرية ليست جزءاً من مكونات العقيدة الإسلامية. إذ أن ثقافة العصا لمن عصا – أو كما يقول محمد: "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت" هي الثقافة التي تثقف عليها الخانع الذليل وتحول إلى عبد خاضع رخيص. فقد تغلغلت روح العبودية في أعماقه الضحلة حتى أصبحت طبيعته الثانية.
5.
وكما كتبت في "أن تفكر كعبد ... هذا هو الكمال":
"لم يُصَدِّقْ إنسانٌ في تاريخ البشرية بأنه عَبْدٌ وَضِيعٌ منحطٌ مثلما صَدَّقَ المسلم. وهو كُلُّمَا تغلغل في إيمانه الديني التسليمي كُلُّمَا تحوَّل الشعور بالعبودية إلى معنى لحياته ولهذا تراه يدافع بحرارة عن العبودية؛ وهو كُلُّمَا انحطَّ في سُلَّم البناء الاجتماعي كُلُّمَا اكتسبت عبوديته مظاهر خارجية مرئية".
إنه يحمل هذه الروح في كيانه مولولاً أمام سجادته كنقنقة الدجاج، أو باكياً على خيبته منتظراً من أوهامه المقدسة الفرج.
ولهذا فقد تحولت حرية الملحد من الأوهام إلى عدوه الأول؛ بل أنَّ ما يبذل من الحب لعائلته لهو قطرة من بحر الكراهية التي تلفه كعباءة مانحة لحياته الفارغة المعنى، مضيفة لوجوده الكئيب نوعاً من "المَنِّ والسَّلوى" الذي نزل على بني إسرائيل كما يقول محمد في كتابه.
6.
كلَّ ما زاد عن حده تحول إلى ضده!
غير أنه مع ذلك فإن المسلم يحسد الملحد على حريته - بل أن هذا "الحسد" يصل إلى أقصاه عندما يكشف الملحد عن سعادته رغم الخسائر ومظاهر العوز والغربة.
ولأن المسلم لن يحظى بهذا الحرية طالما ظل مستلقياً في الحضيض فإن حسد الملحد على تحرره من ربقة الاستبداد الديني يصل إلى حدوده القصوى مستحيلاً إلى موضوع لكراهية طاغية من قبل المسلم المستلقي في حضيض وظيفته الصغيرة في دولة الإسلام.
وعندما يرفض المسلم، الذي لم يرفض عقله ولم يتخل عن نزوعه الطبيعي إلى الحرية، وظيفة الخاضع والخانع والذليل في حظيرة الإسلام فإنه لا محالة يهتدي إلى الإلحاد.
إذن: الإسلام يقود أصحاب العقول اليقظة إلى الإلحاد – آجلاً أم عاجلاً!
هذه هي الخلاصة المدهشة التي لا يسندها المنطق العقلاني فقط، بل والتجربة اليومية: اتساع حركة الإلحاد داخل الدولة الإسلامية وفي عقر دارهم وهو الأمر الذي أرعب المؤسسات الحكومية والدينية على حد سواء.
7.
في كل يوم يعلن الكثير من "المسلمين" خروجهم من الإسلام.
وفي نفس الوقت وكل يوم يكشف المسلم النائم في حضيض مملكته عن الحقد والكراهية والكذب والتزوير والتضليل لعله يحظى ببعض الاحترام من سادته.
ولكن هل ثمة مقارنة بين احترام السيد لعبده وأحترم الإنسان لنفسه؟
وهل ثمة مقارنة ما بين رغائب الدجاج وأحلام النسور؟
8.
مهما استطاع شيوخ العته الإسلامي أن يغلقوا منافذ الرؤية ومهما نقنق أنصاف المتعلمين ليل نهار فإن أصحاب العقول اليقظة سوف يرون الحقيقة لا محالة.
إنه مجرد وقت حتى تنضج الرغبة في التحرر.
والسماء مفتوحة دائماً للطيران ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق