منع

محمد [1]: ثالوث الطاعة المقدس

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "!

[سورة النساء/الآية 59]

1.
لم يُنَظِّرُ صاحب عقيدة دينية في التاريخ لثقافة الاستبداد والخضوع مثلما فعل محمد. إذ وضع في كتابه "القريان" الأسس المتينة لعقيدة الاستبداد وبلور ثالوثاً متماسكاً "تفيض" منه صلاحيات "الله" و"النبي" و"أولي الأمر" بطريقة جدلية فعالة تاركاً للأليغاركية القريشية "Oligarchy" دستوراً مقدساً تَحْكُم على أساسه وهذا ما فعلته فعلاً.
2.

كما هو واضح بجلاء لا يحتاج إلى "بيان" و"تبيين" الصياغة "دستورية" لا يمكن إلا أن يُحْسَدَ عليها محمد من قبل جميع ملوك الحكم المطلق في التاريخ البشري.

بل حتى سلطة لويس الرابع عشر (الملك الشمس) – الملكية المطلقة تبدو سلطة باهتة أمام "السلطة الربانية" المطلقة التي صاغها محمد بنفسه ولنفسه!

3.
إلا أنَّ سبب "الحسد" هذا لا علاقة له بمضمون هذا "الحُكْم" وحسب، وإنما يتعلق أيضاً بالآلية التي ربط محمد بها سلطة "السماء!" بسلطة "الأرض" بوحدة بنيوية متماسكة لا يمكن أنْ ينفصل عراها بالنسبة للمسلم – المؤمن حتى الثمالة.
فآلية "الطاعة" للسلطة المحمدية تجمع في كل واحد الطاعة لجميع أنواع السلطة:
السلطة "الربانية" في السماء؛
والسلطة السياسية على الأرض؛
والسلطة الأبوية في كل مكان.
وبهذه الطريقة فإن الفرد – الإنسان الأعزل يقع في قبضة مجال قمعي واحد مغلق لا يمكن الفرار منه.
وإن هذا المجال يستوعب كلا الزمنين المحيطين بمحمد:
محمد في حياته؛
ومحمد بعد مماته.
4.
محمد في حياته:
إنني لم أبالغ – وأقَلُّ ما يمكن القول بأنني أمزح حين قلت بأنها صياغة "دستورية" لا يمكن إلا أن يُحسد عليها محمد من قبل جميع ملوك الحكم المطلق في التاريخ البشري.
في هذا المستوى الزمنى يفرض محمد الطاعة على الناس وفي آن واحد لثلاث سلطات ("الله" و"النبي" وأولي الأمر).
غير أن هذا ما تقوله القراءة السطحية فقط.
إذ أن القراءة المتعمقة (رغم أنها لا تحتاج إلى الكثير من الجهد) تقول إن محمداً كان يمجد سلطة واحدة لا غير: سلطته الشخصية.
5.
فدعوة محمد إلى طاعة "الله" هي الطريق إلى طاعته هو نفسه:
أولاً، "الله!" هذا صناعته الشخصية:
باسمه قال كل شيء، وشرَّع كل حكم يخدمه هو، وحرَّم كل شيء يحرِّمه هو، وأباح كل شيء يبيحه هو، وقرر كل شيء يقرره هو!
ثانياً، ولأنَّ السذاجة البشرية دفعت أنصاره إلى السقوط في مصيدة الإيمان بوجود "رب" سميع عليم قدير ...إلخ، فإنهم خضعوا لمحمد خضوعاً يكاد أن يكون مطلقاً باعتباره إرادة "الله!".
ثالثاً، وهكذا اندمجت طاعة "الله!" وطاعت "الرسول!" بطاعة مقدسة واحدة:
طاعة محمد شخصياً باعتبارها إرادة "الله!" وباعتبار أن محمداً "رسول الله!".
رابعاً، حتى طاعة "أولي الأمر" كانت تشير إليه وتخدم مآربه:
فحين يطيع أنصار محمد أولي الأمر (ولا أدخل في النقاش السمج في معنى "أولي الامر": قادة الجيش أمْ كبار الصحابة، أم الخلفاء والحكام ... إلخ) فإنَّ طاعتهم هذه هي طاعة لمحمد نفسه. فقد وزع محمدٌ السلطة على عدد من الأشخاص ومنحهم نوعاً من الاعتبار المقدس (وهو نوع من شراء الذمم) فقاموا على خدمته وطاعته المطلقة. وبالتالي فإن طاعتهم لا تخرج عن إطار طاعة أحكام وقرارات محمد.
[كتاب محمد وحد الخنجر: إمَّا الأول وإما الثاني - حرية الاختيار!]

6.
محمد في مماته:
ربما سوف يندهش القارئ (وآمل ألا أكون مصيباً) بإنَّ محمداً قد حرص على طاعته حتى في مماته!
فهو رجل من العرب وثقافة السلطة الأبوية والعشائرية تتغلغل في وجوده الأرضي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. ولهذا فإنَّ عليه أن يقوم بترتيبات تضمن بقاء بعض الصلاحيات لعائلته - سواء بصورة ملاشرة أم قريش بصورة واسعة.
فتاريخ الحكام والملوك والاباطرة في المجتمعات الاستبدادية جميعها (وذات الشيء يتعلق برؤساء الأديان والطوائف والملل والأحزاب) وبغض النظر عن الثقافات والأديان والانتماء الإثني قاموا ولا يزالون يقومون بذات الشيء:
القيام بالترتيبات المناسبة التي تضمن بقاء السلطة أو الثروة في داخل العائلة واستمرار الإيديولوجيا التي ساروا عليها في حياتهم بعدهم (وهذا ما فعلته جميع أشكال حكم الخلافة السنية والشيعية. أما ما يسمى "القادة" العرب فيعرف الجميع فضائهم. كما هذا ما قامت به جميع الإمبراطوريات والملكيات في التاريخ).
ولم يفعل محمد شيئاً خارج القاعدة.
فقد كان حريصاً على استمرار عقيدته أولاً، وبقاء السلطة والثروة داخل عائلته ثانياً (بغض النظر عن تحقق الأولى وفشل الثانية ولكن لم يفشل في منح السلطة قبيلته).
7.
وهذا ما يقتضي أن يمنح محمدٌ "الرموزَ"(ولم تكن تعنيه الأسماء) السلطة التي ستحكم باسم عقيدته بعد مماته. وهي سلطةٌ لها طابع "مقدس!": سلطة أولي الأمر. ولم يكن يعنيه طبيعة هؤلاء (أولي الأمر): فالهدف الأساسي الذي قام من أجله بمنحهم السلطة هو مواصلة عقيدته ولا شيء آخر.
وبالتالي فإنَّ محمداً وحتى في مماته قد سعى إلى تثبيت سلطته.
وهذا لا يعني غير شيء واحد:
أن طاعة "الله!" و"الرسول!" و"أولي الأمر!" كلها وعلى حد سواء طاعة لمحمد ولا أحد غير محمد!
للموضوع بقية .. ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر