منع

كيف ننظر إلى العالم



1.
ليس ثمة ملحد مَنْ يدعي أحادية الرؤية الألحادية للواقع والحقيقة. فغنى الواقع وتعدد الرؤى حقيقة طبيعية تتناقض مع الرؤية الأحادية.
فالرؤية الإحادية دائماً وأبداً رؤية سلطوية.
إذ أن العلاقة السلطوية لرؤية الواقع في جوهرها هي علاقة غيبية: دينية. إنها علاقة البعد الواحد للوجود وهو في هذه الحالة بُعْدٌ "مقدس"؛ تم "صنعه" منذ بداية "الخلق" وإن التنوع الحادث فيها، كما يقولون، هو وظيفة لتصوراتنا الموهومة عنه. ولهذا فإنَّ لا قانون طبيعي يحكم تصوراتنا عنه.
وعلى هذا الأساس يستحيل هذا البعد في بنيته إلى "حقيقة" مطلقة بالنسبة للمؤمن قائمة خارج المكان والزمان.
وتكتسب هذه الفكرة في "عقول" أنصاف المتعلمين بعداً أضافياً خرافياً مفتوحاً أمام الملائكة والجن والشياطين وعشرات الكائنات "الروحية" التي لا تُرى لا بالعين المجردة ولا بالمكروسكوب ولا بالتلسكوب، وهي خارج التجربة المنطقية والعلمية.
2.
الثقافة الإلحادية هي على الضد من ذلك [أو هذا ما ينبغي أن يكون].
إنها تنظر إلى العالم نظرة غنى وتعقيد لا يمكن اختزاله ببساطة أو تحويله إلى وظيفة خرافية للرؤية المشوهة للوجود الإنساني.
إنَّ الثقافة الديموقراطية العقلانية – والإلحاد ثقافة ديموقراطية في خصائصها وعقلانية في بنيتها [وإلا فهي ليست ثقافة إلحادية] تفترض حقائق إنسانية أساسية مشتركة للواقع يؤدي تخطيها إلى تشويه الواقع فتتحول فكرة الواقع إلى صياغة لاهوتية يمكن أن تُنتج بصورة عشوائية مسيئة للواقع نفسه تصورات وقرارات تعيق تطوره واستشراف أفاق الغد.
إنَّ النظرة اللاهوتية – وهي نظرة تَحْتَمِي بالنسبية لكنها نسبية مزيفة واعتباطية (لأنها لا تستند إلى تجارب الواقع وإنما إلى التجربة الدينية) تؤدي إلى تشويه الواقع وتعيق تطوره وحركته.
فطالما كان هذا العالم ليس هو العالم الحقيقي بالنسبة للمؤمن، إذ ثمة عالم آخر موازٍ؛ وإنَّ هذا العالم الموازي هو العالم الحقيقي والخالد فإننا عملياً سنكون ليس أمام خيال بل أمام خبر مزيف عن العالم الذي نعيش فيه.
3.
والأخبار الكاذبة والمزيفة هي جزء من ثقافة أنصاف المتعلمين المؤمنين المولعين من الصباح حتى المساء بخرافات الملائكة والجن والشياطين (الإنسان العادي مهتم بتحصيل رزقه). وهذا ما يجعلهم دوماً في حالة نوع من الفزع والوعي المربك والحاجة إلى صناعة تصورات تبرر العالم الخرافي المصنوع من قبلهم من جهة والعيش بصورة طفيلية على حساب الواقع الحقيقي الذي يصنعه الآخرون من جهة أخرى
لا يمكن أن يخوض المرء أي نوع من النقاش بغياب الاتفاق على أُسُسٍ مشتركة للواقع الذي نعيش فيه والقوانين التي تسيره.
وهذا ما لا يمكن توفره مع المؤمنين عامة – أما المؤمنون من أنصاف المتعلمين فإن النقاش معهم إساءة للحقيقة والذات.
4.
إنَّ إدراك الأسس الإنسانية المشتركة للحقيقة والواقع من قبل الملحد في بلدان مملكة الظلام الإسلامية هي مصدر اغترابه في هذه المملكة.
وإن هذا الاغتراب الذي هو ذا طابع فلسفي وليس نفسي بالدرجة الرئيسة يتطابق بصورة مدهشة مع الاغتراب الإنساني الأول لحظة انفصاله عن الطبيعة:
الإنسان ينظر لأول مرة إلى الطبيعة المجهولة ليس باعتباره جزءا منها، بل خارجها وقادر على إدراكها والسيطرة عليها!
وهذه هي اللحظة الإلحادية الأولى المدهشة:
يبدأ المرء برؤية الواقع على حقيقته.
سيبدو وكأنه يحلم، أو أنه يرى شريطاً سينمائياً لفيلم سخيف أخرق يجعله يصرخ من أعماق كيانه:
كيف كنتُ أصدق كل هذه الأوهام والخرافات والأساطير؟
كيف كنتُ عبداً لهذه الأوهام؟
كيف كنتُ فاقداً للبصر والبصيرة؟
باختصار:
إنه يرى . . .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر