1.
لم يمر ملحد أوربي (حتى لو كان قد ولد ونشأ في أعتى العوائل المسيحية تديناً ومحافظةً) بطريق الآلام والمحن التي مرَّ بها الملحدون العرب (والملحدون من المجتمعات الإسلامية بصورة عامة) ولا يزالون يمرون بها.
وهذا الواقع بحد ذاته يكشف طبيعة الثقافة الإرهابية والشمولية في هذه المجتمعات.
غير أنه وفي ذات الوقت هي طريق الشجاعة الإنسانية والإرادة الحرة التي لم يلوها جبروت مملكة الظلام.
فالحرية تبدأ بالإرادة؛
والإرادة تبدأ بالرؤية؛
والرؤية تبدأ بالشك؛
والشك يبدأ بالسؤال.
وهذه هي طريق تحدي مملكة العته والسخف والأوهام:
الأسئلة الصعبة والمحيرة والمعذبة التي لا تمل ولا تهدأ وكأنها تسقط كوابل من الرصاص وعلى العقل اليقظ وأصحاب التفكير النقدي البحث عن أجوبة وسط عالم يمقت الأسئلة ويجرَّم أصحابها.
2.
وهذا ما لا تعرفه الذَّاتَ الصغيرة التي تربى صاحبها على الخنوع والمذلة [والافتخار بأنه عبد!] منذ ولادته وعندما نشأ وكبر وجد في الخنوع لذة كبرى لا يعرف غيرها.
إنه لا يعرف معنى الشجاعة ويجهل إلى حدود الأسى معنى الإرادة الحرة وضرورة الاختيار.
فهو يزحف طوال حياته في الحضيض حتى بدا له أنه جنةً آسرة لا يبيعها بأي ثمن مقابل كرامته.
وهو قد جَنَّدَ نفسه بسعر بخس لكي يمجد جنته التي يعيش فيها وهو على استعداد أن يموت من أجلها على أمل أن ثمة جنة أخرى يستمتع فيها بالولدان المخلدين ونساء حور العين التي لن يرى شيئاً منها حتى في أحلامه.
3.
لك عندي خبرٌ أيتها الذات الصغيرة وهو خبر لا أسوء منه:
ستظل هنا حيث أنت حتى آخر لحظة من حياتك ولن ترى "يوما ما" ولدان مخلدين يطوفون عليك بأكواب وأباريق أو نساء حور العين تستمتع بهم متى شئت.
وعندما تنتهي هذه الحياة فإنك تنتهي حيث أنت في مملكة اللازمان!
انظر إلى هذه الصورة جيداً: هذا هو الشيء الوحيد الذي تبق لك!
الصور والأحلام!
4.
أما الملحدون فقد اختاروا الكرامة الشخصية.
هو اختيارٌ وليس فيه أي نوع من البطولة، لكنه اختيار شجاع. لأن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل السيطرة على الخوف والمضي قدماً إلى عالم الإرادة الحرة:
إنه عالم الحياة الرحبة ...
فحين يتخلى المرء عن امتياز الاستقرار والحياة الكسولة الهانئة – حياة القبول والخضوع فإنه يتخلى عن أغلاله العقلية والوجودية.
ليس ثمة طريق أقل صعوبة عندما يتعلق الأمر بولادة الذات ولادة جديدة.
إذا لابد من الآلام؛ وقد تسقط، وقد تلحقك الجراح، لكنك تنهض وتواصل الدرب الذي اخترته خارج مملكة الظلام.
إنها معارك يومية:
مع النفس ومع الآخرين ومع منظومة القيود والخرافات والأساطير ورقابة الذات والدولة على حد سواء، والرفض والكراهية الموجهة ضد أي سلوك يخالف الآخرين أو كلمة لا وجود لها في قواميسهم.
أنت تحيا غريباً بين أهلك؛ وتهرب بعيداً وسطهم.
لكنك كل يوم تزداد قوة ومعرفة بمملكة الظلام؛ تكتشف أوهامها وأكاذيبها وابتذال ثقافتها.
أما الصغير الخانع فإنه سيظل هناك ينتظر أوامر أسياده وبركات شيوخه لعلهم يرضون على ما قدم من خدمات.
5.
إنها طريق الآلام التي قد تطول وكأن الزمن لا ينتهي.
غير أنها ستنتهي – هذا أمر لا ريب فيه.
تحلَ بالصبر أيها الملحد الشاب، وأيتها الملحدة الشابة بانتظار الولادة الجديدة.
لن يمنحكما أحد اسماً جديداً، ولن تحصلا على جائزة مالية كما الصغير الخانع عميل الشيوخ، لكنكما ستمتلكان ذاتيكما وحريتكما حيث يمر العالم من خلال إرادتكما وتكونا أنتما سيدا الكلمة.
الإلحاد هو السيادة وتقرير المصير الذاتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق