منع

ليس الله شخصية سياسية – بل إيمانية!: ملاحظات إضافية

امرأة معصوبة العينين
[عمى الإيمان]

1.
من ملامح تحول فكرة "الله" و"الدين"  هو ربط الموقف من "الله" و"الدين" بالموقف من المجتمع والدولة.
فالإساءة إلى "ذات!" الله [فللخرافة ذات مقدسة!] هي إساءة إلى المجتمع و"محاولة!" لتقويض أسس الدولة المجتمع!
وإذا ما استثنينا الفكرة الهشة للدولة والمجتمع، فإنَّ انتفاء الإيمان الديني هو انتفاء للمواطنة.
هنا يصل العبث الإسلامي إلى الحدود القصوى.
2.
ولهذا فإن "الإساءة" إلى "ذات الله" يخضع للعقوبات الجنائية الشديدة "العلنية" أو "المستترة": أي القتل إنْ تمكن أحدهم من ذلك.
3.
أما تجريم "الإلحاد" والملحد" (وغالباً ما يكون التجريم بأغطية تبريرية مختلفة) فهو التعبير العلني والرسمي في الكثير من الدول الإسلامية عن تحول "الإيمان" إلى قضية سياسية تهدد الدولة وبالتالي فإن معاقبة الملحد وبأقصى العقوبات [وليس آخرها الإعدام[ إذا ما كان قتل الملحد غيلة غير ممكن لسبب أو آخر!
4.
وهذ لا يعني غير شيء واحد:
استحالة الدين إلى قضية سياسية تخرج عن إطار الإيمان وتفند فكرة الإيمان ذاتها. وهي نكوص إلى آلاف السنين إلى الوراء حيث كانت عقيدة الإمبراطور الصيني مثلاً شرطاً للولاء وضمانة للوجود. بل يمكن الرجوع إلى الوراء كثيراً حتى المدن السومرية التي كانت تتميز بعبادة إله محدد استناداً إلى عبادة الملك نفسه. وعندما يموت الملك أو يتم احتلال المدينة من قبل حاكم آخر فإنه عادة يفرض عبادته لإلهه الخاص على المدينة.
5.
ولأننا نتحدث عن القرن الحادي والعشرين فإنَّ المسلمين يبدون أكثر همجية من أي همجي من العصور المنقرضة.
إذ فرض عقيدة دينية ما على الناس والدول هو حقاً نكوص عقلي وثقافي وسيكولوجي من طراز فريد.

ليس الله شخصية سياسية – بل إيمانية!


البحث عن عائشة [2]: صورة عائشة

لوحة “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!


حكاية صورة:
لقد تصفحت طويلاً مجاميع الأعمال التشكيلية وصفحات الفن التشكيلي والمتاحف العالمية في فضاءات الانترنت بحثاً عن عائشة "الحُمَيرَاء".
لم يكن البحث سهلاً. 
في الآونة الأخيرة وفي اثناء عملية الإطلاع على ما كُتب عن عائشة في كتب السنة والشيعة متقصياً السيرة الأدبية الإسلامية عنها والسعي إلى العثور عما ينقض الفرضية التي تدور في ذهني (فأنا لا أبحث عما يلائم فراضياتي) تشكلت في رأسي صورة حيَّة لها – للصبية التي اُخْذتْ عنوة من بيت أمها وأبيها كما يؤخذ الحمل الصغير إلى المذبحة.
كنت أراها حتى أكاد أحس بوجودها أمامي وكأنني أرى صورتها تمتزج بسطور النص الذي اقرأه على شاشة الكمبيوتر.
وقد أوصلني البحث بالصدفة إلى هذه اللوحة التي لم أكن أعرف عنها أي شيء مطلقاً. 
- إنها هي!
هتفت بصوت مسموع.
ثمة شيء في معالم هذه الفتاة يعبر عن الرفض والاستنكار والامتعاض. 
إنه حوار صامت مع مَنْ يقف الآن [وأبداً] أمامها ويحدثها محاولاً إقناعها، أو أجبارها على القبول والخضوع. أليس الدين خضوعاً، وزوجها المستقبلي نبي هذا الدين؟!
وحالما بحثت عن قصة هذه اللوحة تبددت دهشتي:
 إنها “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!
وليقل القائل بأنها صدفة!
إنها "الحُمَيرَاء" أو صورة لها سافرت عبر التاريخ حتى تجسدت في صورة هيلين طروادة [أو بالعكس – من يدري؟].
فهل ثمة علاقة سرية داخلية تربط ما بين هيلين وعائشة؟!
1.
هل كانت عائشة تؤمن بنبوة محمد حقاً؟
هذا سؤال سوف أردده على امتداد سلسلة المقالات هذه [البحث عن عائشة] وليس لدي الآن أيُّ أمل واقعي في التوصل إلى إجابة مُرْضِيَة.!
هي مجازفة لكي أجيب على هذا التساؤل.
إنه واحد من الأسئلة العصية على الإجابة. إذ ليس لدينا إلا فِتاتُ معلومات وأطنان من الأحاديث والروايات الكاذبة. وأكذب هذه الروايات على الإطلاق كتب السنة والشيعة المعاصرة التي قررت أن تعيد كتابة "التاريخ" بأسوأ الأدوات وهو التقديس النقلي التسليمي وبأكثر الأساليب الأدبية سذاجة حتى وصل بهم مرض التمجيد إلى تأليف كتاب من نوع "موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين"! باعتبارها محدثة وفقيهة وهي المرأة التي أسْتُلبت طفولتها وتبدد شبابها وانتهت إلى شيخوخة لا نعرف عنه شيئاً أكثر مما قالته كتب المسلمين.
فأين تثقفت هذه الصبية بين عدد من "الضرات" [للمعلومات: يقول الفقه بأن امرأة الزوج سميت ضرة لأنها من المضارة فماذا لو كن عشرة أو أكثر؟!] التي لا يعرفها حتى السنة أنفسهم؟!
 مثلما كانت حبيسة البيت ولم يقل أحد أنها تعلمت الكتابة والقراءة [فزوجها أمي وضراتها أميات]!
2.
في أصول البحث ثمة طريقان أساسيان:
الطريق الأول استقرائي أنْ نجمع الحقائق الصغيرة شيئاً فشيئاً حتى تكتمل الصورة وتتبدى معالمها. وهذا ما ليس بالإمكان. فمن أين لنا بهذه الحقائق (ومهما صغرت)؟
فنحن لدينا "فتات" من المعلومات الصغيرة وهي لو كانت فتات خبز فإنها لن تشبع حتى عصفوراً صغيراً بائساً!
 فليس في حوزتنا غير سيرة أدبية:
 كتبها العشرات؛ 
وحررها العشرات؛ 
ونقحها العشرات؛ 
ودونها العشرات؛ 
وأعاد تدوينها العشرات عن أحداث مفترضة وشخصيات غامضة!
أما الطريق الثاني فهو استنباطي منطلقين من "حقيقة" يتفق عليها جميع المسلمين وهي حقيقة الطفلة التي اغتصابها كهل ساعين إلى إزالة ركام الأكاذيب التاريخية المتراكمة الواحدة تلوى الأخرى حتى نصل تدريجياً إلى ما تبقى من الحقيقة التاريخية. 
فهل ثمة حقيقة بقيت من ذلك التاريخ؟
3.
فعائشة ومهما تأملنا فتات المعلومات التي ترسم صورتها فإنها ستبقى لغزاً عصياً على الحل والفهم على حد سواء. فهي إنْ كانت جزءاً من التاريخ حقاً فإن ما كان يعتمل في داخلها لهو صعب على القول وأمر عميق لا يمكن التصريح به من قبلها.
إنني أشَكُّ بكل ما أمتلكُ من ملكة الشَّكِّ (وفي رأسي الشيء الكثير) بكل "أحاديث عائشة" التمجيدية لمحمد. إنَّ عائشة إن قالت يوماً لأحدهم شيئاً فإنها لم تقلْ إلا جزءاً يسيراً جداَ مما لفقه المحدثون والأفَّاقُون وفقهاء السلاطين وأنصاف المثقفين. وإن هذا الشيء القليل لا يعدو أن يكون أموراً تتعلق بحياتها الشخصية الصعبة وعلاقتها بمحمد بن عبد الله وبنسائه الأخريات وحريمه. وإنَّ ما وصل إلينا من هذا لهو قليل – بل لم يصل منه إلا النزر اليسير إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار البخاري ومسلم مثلاً.
أما ما كتبه الشيعة عن عائشة فإنَّ الروح الهجائية [التي تصل عند بعض الكتاب إلى حد الكراهية المطلقة لعائشة مثل كتاب "الفاحشة: الوجه الآخر لعائشة"] المتعلقة بموقفهم منها تجعل ما ينقلونه عنها ليس أقل تعقيداً مما يقول السنة المدَّاحون. فهم كذابون بطبيعتهم اللاهوتية.
إذن:
كل ما كتب تمجيداً لعائشة هو عقيدة دينية سنية ولا يستند إلى التاريخ.
وكل ما كتب تشويهاً لعائشة هو عقيدة دينية شيعية ولا يستند إلى التاريخ.
ولم يتبق لنا غير المادة الأدبية في السيرة الإسلامية التي نحاول "اقتناص" ما يمكن أن يشكل صورة عائشة الحقيقية.
4.
هذه هي صورة عائشة إذن:
غاضبة، مستاءة، يتطاير الشرر من عينيها. 
فقد اغتصبوا إرادتها؛ وانتهكوا حقها في الطفولة – وهو حق أعلى من حقوق البشر جميعاً وأسمى من جميع المقدسات والمبادئ وقواعد الأخلاق والضمير؛ وها هم يقودونها عنوة لكي تكون محظية بناء على إرادة عزوها إلى خرافة أطلقوا عليها اسم "الله" ومنحوها صلاحيات وحقوق تخول القتل واغتصاب الأطفال ورجم النساء الفقيرات اللواتي لا أحد يدافع عنهن [لا توجد معلومات عن امرأة غنية أو ذات سلطة تم رجمها وهو النوع ليس أقل فحشاً وتهتكاً من النساء الفقيرات]، غير أن من نفذ كل هذه الأحكام كانوا من البشر!
5.
ها أنا أنتهي من ملاحظاتي على الصورة. 
والحق أني لأول مرة أبدأ موضوعاً لا أعرف نهايته ولا النتائج التي سأتوصل إليها. ففي رأسي يلفُّ تساؤلٌ ويدور من غير هوادة. ولا تبدو الإجابة في متناول العين والفكر:
هل كانت عائشة تؤمن بنبوة محمد حقاً؟


الحلقة القادمة:
البحث عن عائشة [3]: الاغتصاب
الحلقة السابقة:


البحث عن عائشة [1]: التاريخ الآخر - مقدمات

تفصيل من لوحة “هيلين طروادة المختطفة" للرسام البريطاني Anthony Frederick Augustus Sandys [1829-1904]!
من أجل رد الاعتبار لشخصية عائشة!
1.
قد يندهش الملحدون قبل المسلمين لهذا العنوان. 
ولهذا عليَّ التأكيد بأنه ليس في الأمر أيُّ نوع من التهكم أو المجاز. فأنا أعني ما يُعَبِّرُ عنه العنوان حرفياً وأقف وراءه.
كَمَا وعليَّ الاعتراف منذ البدء وبصراحة أنَّ " عائشة" من الموضوعات التي كثيراً ما كانت تمر بإلحاح على تفكيري .
فعائشة "قضية" تاريخية وأخلاقية وثقافية وبالمعنى المباشر للكلمة قبل أن تكون قضية دينية. 
وهي لهذا السبب تحتاج إلى نوع من المرافعة الدفاعية لإعادة الاعتبار لشخصيتها بشكل خاص وللمرأة الرازحة تحت نير العبودية الإسلامية بشكل عام.
فهي قضية تاريخية لأننا لا نملك عنها غير ما تقوله السيرة الأدبية الإسلامية؛
وهي قضية أخلاقية لأننا أمام خرق فظ لأهم القيم في حياة المجتمعات: اغتصاب طفلة من قبل كهل جاوز الستين!؛
وهي قضية ثقافية لأنها تحولت إلى معيار ثقافي يحتذى به المسلم (السني) في الحياة ويتم تربية الأطفال على أساسه؛
وهي أخيراً قضية دينية لأن المسلمين حولوا نكاح محمد بن عبد الله لها إلى مواضعة فقهية وقانون يحتذون به.
2.
ولكن هذه "القضية" في نفس الوقت مصدر لحيرة كبيرة:
 كيف تحولت الأساطير الشفهية إلى نوع من “الحقيقة" تقف فوق الواقع وتقرر وجوده؟
كما أن ثمة مدعاة أخرى للحيرة:
كيف فَلَتَ التصور العقائدي الدوغمائي الإسلامي عن عائشة وتسلل إلى كتاباتنا بالذات – نحن الملحدين؟
 ولهذا شرعت بإعادة قراءة ما كُتب عنها ساعياً إلى أن أعيد النظر بالتصورات الشائعة الإسلامية – السنية والشيعية عن عائشة، مثلما أسعى إلى تحذير الآخرين من تقبل هذه التصورات على علاتها.
فلا أحد يندهش بالطريقة الغيبية التسليمية التي يفكر بها المسلمون/سنة وشيعة. ولكننا في نفس الوقت نعرف بما يقترب من اليقين أنهم يخفون دائماً ما هو جدير بالأهمية والاعتبار. وهم في الحالة هذه يخفون الكثير.
لا شيء يكتبه المسلمون من غير أن يحجبوا شيئاً آخر.
ولهذا يتوجب تفكيك النصوص الإسلامية وفرز مكوناتها وتصنيف هذه المكونات على أساس أربعة مجاميع:
الكذب؛
الأسطورة والخرافة؛
التزييف والتلفيق لحقائق كانت قائمة؛
وأخيراً – وهو الغائب والمحجوب: الحقيقة.
3.
فـ"عائشة" من الشخصيات المظلومة في حكايات السيرة الأدبية الإسلامية ولا أرى غير الملحدين مَنْ هو جدير بأنْ يعيد إليها الاعتبار وينظر في قضيتها على أساس مختلف وزاوية نظر جديدة نتخلى فيها عن ركام الهراء الإسلامي.
كما قلت إنها "قضية". وتكمن "قضيتها" في أنَّ المسلمين السنة قاموا بتمجيدها مما عمل هذا التمجيد على إخفاء مظلوميتها كـ"شخصية" سواء كانت من صنع الخيال أم التاريخ. 
أمَّا الشيعة، وكالعادة، قاموا بالعكس: التشنيع بها، ولم يكن هذا إلا انطلاقاً من عقيدتهم الوهمية السخيفة عن معصومية علي بن ابي طالب ومعادتة من عاداه ونصر من ناصره!
4.
إنني أرى صورتها الآن أمامي وعينيها الراجيتين تدعواني لأعاده النظر بالسيرة الإسلامية لعلي أجد شيئاً يبدد الأوهام عنها ويعيد إليها صورتها الحقيقية الأقرب إلى الواقع والأبعد عن الأساطير والخرافات. بل هي بانتظار من يفند الأكاذيب عنها – السنية والشيعية ويستخلص من هذه الأكاذيب ما يكفي من الحقائق لرد الاعتبار إليها ووضعها في مكانها الحقيقي من التاريخ.
5.
عائشة لم ترتكب جرماً بل كانت ضحية. 
فقد تم اغتصابها وظل هذا الاغتصاب قائماً أمام أنظار الجميع أكثر من 14 قرناً ولا يزال. وعندما اكتشف المسلمون (وخصوصاً السنة) الفضيحة قرروا أن يهربوا إلى الأمام مؤلفين العشرات من الكتب عنها وتمجيدها، بل وتقديسها وتحويلها إلى "أيقونة" يفاخرون ويتباهون بها أمام الأمم!
6.
إنني أبدأ من سؤال بسيط في محتواه ينطلق من "أحاديث عائشة" التي يمجدها السنة ولا يدقق فيها أو يتجاهلها الشيعة وهي تعكس تصورات عائشة ومواقفها من محمد: 
هل هي صاحبة هذه الأحاديث؟
وهل كانت عائشة تؤمن حقاً بنبوة محمد؟!
لم أنطلق في يوم ما من فرضية وأنا أكاد لا أملك أي نوع من "اليقين" أو التصورات عن نهايتها وإمكانية البرهنة عليها. بل قررت ألا أبحث عن الأدلة على صحة الفرضية. فكتاب السيرة الإسلامية قد أفسدوا جميع المصادر وتم حرقها وتدميرها. ولهذا لم يتبق أمامي غير البحث عن أدلة تنقض الفرضية وتبدد مسوغاتها.
وهذا هو الطريق الصعب في الكتابة: 
أن تسير ضد ما تعتقد حتى تصل إلى الحقيقة – إنْ وصلت!



الحلقة القادمة:

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر