منع

لماذا يخشى بوتين على حياته حقاً؟ [1] قوانين حكم الطغاة

مقدمتان:
[1]
[يذكر التاريخُ الإمبراطورَ الروماني دوميتيان بسبب نكتة واحدة لا غير. فقد قال:
"إنه لأمر مرعب أن تكون إمبراطورًا. فالجميع يعتقدون بأنَّ البارانويا [جنون الارتياب] التي تدفعك إلى الاعتقاد بأنك سوف تكون مقتولاً لا أساس واقعي لها حتى يتم قتلك بالفعل"!
ولم يمض غير وقت قصير حين تم فعلاً اغتيال دوميتيان.
إن اليقظة الاستثنائية هي الحالة المزاجية الأساسية لسلطة الاستبداد، التي تضطر للعيش في إطارها. وهذا لا يعود أولاً إلى أن هذه السلطة معرضة حقاً لخطر الانقلاب ومحاطة بالأعداء فقط، بل ولأنها ثانياً تفرض على الناس أن يكونوا خائفين ومعزولين ، وبالتالي تقوم بدفعهم عنوة إلى الحلول المتطرفة!
والرئيس فلاديمير بوتين هو دليل حي على هذا اللغز]
[من مقال: "لماذا بوتين على حق عندما يخشى علىحياته"]
[2] إنَّ فكرة "قوانين الاستبداد" هي تصور شخصي وتعبر عن خلاصة لقراءتي للمقال.
1.
في مقاله الأخير "لماذا بوتين على حق عندما يخشى على حياته" قدم المؤرخ البريطاني سيمون سيباغ مونتيفيور وصفاً يكاد يكون نموذجياً لمخاوف الطغاة في التاريخ على حياتهم. ولم يكن بوتين إلا مثالاً تطبيقياً.
فالمستبدون جميعاً عبر التاريخ، ولا يعنيني الآن إلا العرب والمسلمون منهم [وهل ثمة حاكم عربي غير مسلم؟] كان هوسهم الوحيد هو السلطة. وقد وصل التشبث بالسلطة حدوداً دفعت الكثير من الخلفاء والسلاطين والأمراء ومن لمَّ لمَّهم إلى سلسلة من الاغتيالات والتصفيات الجسدية العلنية وشن الحروب ضد أقرب الأقرباء حتى من أفراد العائلة نفسها. فصنعوا بذلك أعداء لا طريق أمامهم غير المواجهة الدموية العلنية والحروب والمعارك أو الاغتيالات والمؤامرات التي تم تدبيرها في بعض الأحيان من قبل أفراد العائلة ذاتها [إنهم يحبون اغتيال القريب بالسم].
2.
قوانين سلطة الاستبداد:
يرى مونتيفيور واصفاً لنا بدقة سلوكيات سلطة الاستبداد بأن جميع الأنظمة المطلقة في العالم، تستند إلى الإكراه لسحق المعارضة والحفاظ على السلطة. وهذا ما صنع أعداء داخليين لا يمكنهم الإطاحة بالحاكم بدون استخدام العنف.
وهذا في اعتقادي تلخيصاً دقيقاً للقانون الأول: الاستبداد والإكراه صنوان لا يتفرقان.
أما القانون الثاني وهذا ما أجد تعبيراً عنه في تأكيد مونتيفيور بأن جميع أنظمة الاستبداد تنشر الحرب وكراهية الأجانب لإلهام شعوبها والسيطرة عليها مما يخلق فيلقًا آخر من الأعداء:
فأنظمة الاستبداد بحاجة دائمة إلى عدو خارجي – بل أن "العدو الخارجي" أكثر أهمية في بعض الأحيان من "العدو الداخلي" لتدعيم سلطتها.
3.
القانون الثالث: الفوضى
من القضايا الهامة التي تجد صدى لها في تشريح سيمون سيباغ مونتيفيور لنظام بوتين هي أن السلطة المطلقة للحاكم المطلق - أي: نظام "بلا حدود"، كما هو في حالة نظام بوتين، يعني بأن الحاكم موجود في إطار حالة دائمة من الفوضى من غير أي أمن دائم أو حقيقي.
وهذا ما نراه في حالة جميع سلطات الاستبداد: غياب القوانين والخضوع لإرادة الحاكم المطلق. فيقوم الحاكم المطلق بنفسه بخلق الفوضى التي لابد وأن تبتلعه في يوم ما.
4.
القانون الرابع: الحاكم المطلق غالباً ما تنتهي قصته الرثة مقتولا!
في ملاحظة هامة لمونتيفيور عن روسيا بوتين [ولا أعرف إن كان يعرف بأنها تتعلق 100% بأنظمة الحكم العربية والإسلامية] تقول بأن الأنظمة التي لا تحتوي على قواعد واضحة لتداول الحكم تمنح الحاكم سلطة هائلة ولكنها تعني أيضًا في نفس الوقت بأنَّ الحاكم المستبد ليس لديه وسيلة للتقاعد!
ومن يعرف جيدا تاريخ أنظمة الحكم العربية في القرنين العشرين والحادي والعشرين [مثلاً] يعرف جيداً أيضاً بأنَّ أكثر من99% من الحكام العرب لم يتخلوا عن الحكم إلا بالاغتيال العلني أو المستتر أو الانقلاب ومغادرة البلاد[لا يوجد تقاعد إلا نادراً!]


[الاغتيالات تقليد إسلامي عريق]

5.
القانون الخامس: أكبر الأعداء هم أقرب الأصدقاء!
ثمة "صلاة" شهيرة، لكنها لم تتحقق مطلقاً [فالصلوات لا تتحقق] تقول:
يا إلهي احمني من أصدقائي – أما أعدائي فأنا كفيل بهم!
وهذا هو القانون الثابت دائما وأبداً:
"عندما يسقط القادة الروس، يقول مونتيفيور، فإن الانتقام يأتي عادة من أولئك الأكثر قربا منهم"!
6.
القانون السادس: المستبد لا أصدقاء له!
وهذا صحيح تماماً!
فالمستبدون لا أصدقاء لهم، وإنَّ ما يسمى "أصدقاء" الدكتاتور والطاغية والمستبد هم في حقيقة الأمر مجموعة من الخائفين الجبناء أو المنتفعين وهم لا يعرفون الولاء وإنما الخضوع. والتاريخ العربي/الإسلامي يقدم لنا الكثير من الأمثلة على ذلك. لأن المستبد وبسبب سياسة الإرهاب قد ضيع الفرصة في أن يكون له أصدقاء أو أنْ يعرف الأعداء. فطالما كان الولاء للمستبد ممزوجاً بالخوف من التصفية فإن "صداقة" المستبد مع الآخرين هي مجرد "عمولة". وحين يكف المستبد بسقوطه عن دفع هذه "العمولة" فإن هذا "الصديق" لم يكن في يوم ما غير منتفع من الصمت أو عدو مستتر.
وهذا هو القانون السادس: الصديق الوحيد للمستبد هو السلطة. وبسقوط سلطة المستبد يسقط الصديق الوحيد معه!

خاتمة:
في ختام مقاله ينتهي مونتيفيور إلى من حيث بدأ:
"إنَّ بوتين لا يعاني من جنون الارتياب - إنَّ لديه دائماً سبباً ليكون يقظًا"!
وسبب يقظة بوتين هو آلاف الأعداء الذين قام بنفسه بصنع الشروط الملائمة لتكاثرهم وفقاً لمتتالية هندسية أولاً؛ مثلما قام بنفسه بصنع الشروط الملائمة لظهور الكثير من "الأصدقاء" الذين ينتظرون اللحظة الملائمة للانقضاض عليه ثانياً.
ولحد الآن لم يقدم لنا التاريخ غير إمكانية واحدة لكي "يتقاعد" الحاكم ويقضي أيامه الأخيرة في صيد السمك:
وهي الديموقراطية!
أنا أعرف أنَّ هذا الكلام لن يعجب المواليين لبوتين وللطغاة وللحكام العرب و"إولئك" المعادين للاستعمار والإمبريالية والصهيونية. . . غير أنَّ عليهم قبول الأمر الواقع:
الطغاة لا يصيدون السمك في نهاية حياتهم. إذ أنَّ هذه النهاية غالباً ما تكون ملطخة بالدم أو أنْ تكون معفرة بالذل!

الحلقة القادمة: 

الزكاة [1]: صكوكُ غفرانٍ إسلامية ولا علاقة لها بالعمل الخيري!


[صك غفران كاثوليكي روماني مؤرخ بـ 19 ديسمبر 1521]


1.
إذا ادعى مسلمٌ شيئاً واستند إلى “إحصائيات علمية!!!" لكي يبرهن على ادعاءه فإن على القارئ أن يأخذ بنظر الاعتبار الاحتمالات التالية:
- إنَّ "إحصاءاته" مزيفة؛
- أو إنَّه يقوم بتزييف الإحصائيات، أو الانتقاء منها ما يعجبه ويحلو له وتَجَاهُل ما يضره ويفضحه؛
- أو إنَّه لم يفهم هدف الإحصائيات ولا خلاصاتها وفلسفتها؛
- أو إنَّه يتجاهل نتائج إحصائيات أخرى تتعارض تمام التعارض تماماً مع نتائج "الاحصائيات!" التي استند إليها [أو لفقها].
فالإحصائيات العلمية التي لا شك فيها ولا غبار عليها لا يمكن أن تلبي حاجة الدعويين المسلمين.
2.
ولكن إذا ادعى مسلم المنتديات [وخصوصاً أصحاب "الجُمَيْلات/مُصَّغَر جُمَل" المسروقة] بأنَّ المسلمين "يتبرعون" في أوربا مثلاً لغير المسلمين وهم في أعلى قائمة المتبرعين فهنا لا يوجد غير احتمال واحدٍ أوحدَ وحيدٍ لا شريكَ له:
إنه يكذب على رؤوس الأشهاد وإنَّ "أدلته" التي يستند إليها لا تساوي قرشاً واحداً.
فثمة حقيقة "فقهية" صريحة:
"المسلم" "الحقيقي" "الملتزم" "إيماناً وعملاً بالإسلام" لا يتبرع للكفار!
وإنْ ادعى هذا المسلم أمام مركز أو معهد للإحصاء بأنه يتبرع فإنه يكذب وينافق ويدلس بوعي ومع سبق الإصرار والترصد – وهذا يعني أنه قد زود معهد الإحصاء بمعلومات مزيفة – أي أنه أدلى بشهادة كاذبة.
فـ"التبرع" في الإسلام لغير المسلمين كفر. وهذا أمر لا غبار عليه ولا جدل [وسوف نتطرق إليه بالتفصيل]
بل أنَّ المسلم [ولا أزال أتحدث عن المسلم الحقيقي الملتزم إيماناً وعملاً بالإسلام لا يتبرع مطلقاً!
ففي الإسلام لا يوجد "تبرع"، بل "صدقات". وهذان شيئان مختلفان تماماً.
3.
الزكاة صكوك غفران محمدية
التَّبَرُّع بمعايير المجتمعات المعاصرة هو أنْ يمنح الإنسان مبلغاً من المال [ أو ما يعادل المال من الحاجات العينية كالغذاء والملابس مثلاً] لأشخاص محتاجين [وخصوصاً للمنكوبين والمتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية] باعتباره عملاً خيرياً تطوعياً تضامنياً إنسانياً وبغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي حيث تتم عملية التبرع بإرادة الإنسان ومن غير ضغوط أو مسوغات أو اعتبارات خارجية وخالية من الأهداف المنفعية القريبة أو البعيدة المدى.
أي أنَّ التبرع فعلاً إنسانياً لا دينياً – تطوعياً لا تكليفاً – ولا يخضع لأية معايير غير معايير التكافل الإنساني الواسع- أكرر: معايير التكافل الإنساني الواسع.
4.
وهذا ما يتعارض في الطول والعرض والعمق والزمن [الأبعاد الأربعة جميعها] مع "الفلسفة" الإسلامية في مجال "الصدقات".
فالتعاليم والعقائد الإسلامية المتضمنة في كتاب محمد وأحاديث البخاري وغيره والتعليمات الفقهية المعاصرة تفند الدعاوي بأنَّ الزكاة عمل خيري. فهو أبعد ما يكون عن الإعمال الخيرية وأقرب ما يكون إلى صكوك الغفران التي كانت تبيعها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى.
[للمعلومات: صكوك الغفران هي مستندات ورقية كانت تبيعها الكنيسة الكاثوليكية لمن يستطيع "الدفع". وشراء هذه الصكوك، حسب تعاليم الكنيسة، تضمن لمن يحملها "الغفران" من خطاياه!]
فالرب "وهو أبانا الذي في السماوات!" يبيع الغفران بأسعار السوق.
وإذ تم إلغاء بيع الصكوك [فقد كان الكهنة والبابا على رأسهم يستحوذون على نسبة كبيرة من الأموال] فإن المبدأ الذي يستند إليه "صك الغفران" لا يزال قائماً: أنْ تشتري الغفران للخطايا بالمال بعد أن يتم الاعتراف بها.
5.
وإنَّ الأسباب الواجبة التي تختفي وراء "صكوك الغفران" هي نفسها في حالة الصدقات والزكاة وغيرها:
جمع الأموال!
فالدين لا يمكن أن يستقيم بقوة السلاح فقط. فبدون الأموال الكافية لا يمكن فرض السلطة الدينية. بل حتى "قوة السلاح" تحتاج بالدرجة الرئيسية إلى الأموال لشراء السلاح والمعدات الحربية وشراء ذمم المحاربين المأجورين على حد سواء.
وهذا هو السبب، استناداً إلى مرويات الإسلام الأدبية، الذي جعل مَن يُسمَّى بأبي بكر أن يشن حرباً دموية ضد الآلاف ممن رفضوا دفع الزكاة له وقام بتصفيتهم جسدياً بحد السيف - حتى يكونوا عبرة للقبائل الأخرى.
إنَّ حرب أبي بكر هذا [أسطورة كان أم حقيقة] واستناداً إلى السيرة الأدبية الإسلامية تثبت الطابع السياسي/المالي لما يسمى "زكاة". أما التفسيرات الأخلاقية لهدف "الزكاة" فقد جاءت لاحقاً للتغطية على الأهداف الأولية الأصيلة باعتباره ضرورة حربية.
6.
وإذ لا يمكن فرض الدين بقوة السلاح فقط فإن الأمر يتطلب شراء الذمم.
والذين يمكن شراء إيمانهم بالمال هم صنفان:
الصنف الأول: المعدمون [الفقراء والمساكين ولن أدخل بالموضوع السخيف المتعلق بتعريف " الفقراء" و"المساكين" على طريقة تخريفات الكهنوت]؛
فبعد أن أضطر المعدمون وبحد السيف [الدخول في دين الله أفواجاً!] فإنَّ الأمر يتطلب إعاشتهم وشراء إيمانهم – أو مواصلة إيمانهم [للمعلومات: لا تحل الصدقات على الأعراب لأنهم "أسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم"].
أما الصنف الثاني: فهم الأقوياء الذين يجب شراء إيمانهم وذممهم بصريح القول والعبارة ومن غير أي تأويل أو شقلبة:
- "المؤلفة قلوبهم":
واستناداً إلى تفسير ابن كثير [وليس هو فقط] فإنَّ المؤلفة قلوبهم أقسام :
- "منهم من يُعطى ليسلم"!؛
- "ومنهم من يُعطى ليحسن إسلامه ، ويثبت قلبه"!؛
- "ومنهم من يُعطى لما يرجى من إسلام نظرائه"!؛
-"ومنهم من يعطى ليجبي الصدقات ممن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد"!!
أو كما يقول الطبري في تفسيره إن "المؤلفة قلوبهم" هُم "قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه, كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس, ونظرائهم من رؤساء القبائل" .
7.
ومحمد [أو أياً كان] كان يعرف بأن إيمان العرب بربه الجديد [الله!] لا يمكن أن يتعدى إيمانهم بأربابهم الحجرية أو تلك المصنوعة من التمر حتى يتم أكلها في فترات الشدة.
فمن غير المنفعة الشخصية [وهذا هو هدف جميع الغزوات الإسلامية] فإن الكثير من الناس "آنذاك" و"الآن" لا يجدون سبباً وجيهاً لدخول الإسلام!
8.


ولكي يتم شراء فقراء هذا العصر في آسيا وإفريقيا فقد وسَّع الكهنوت الإسلامي تطبيق قاعدة "يُعطى ليسلم" لكي يشمل عصرنا هذا.
وهذا ما حدث فعلاً ويحدث الآن في الكثير من المناطق الفقيرة في آسيا وإفريقيا: فقد قامت الحركات الدعوية [الممولة جيداً من نفط وأغنياء الخليج] بجذبهم إلى الإسلام عن طريق الدعم المالي والغذاء وبلغة الأمم المتحدة: الغذاء مقابل الإيمان!


الحلقة القادمة:
الزكاة [2]: فَرْضٌ وليس تطوعاً!






أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر