[صك غفران كاثوليكي روماني مؤرخ بـ 19 ديسمبر 1521]
1.
إذا ادعى مسلمٌ شيئاً واستند إلى “إحصائيات علمية!!!" لكي يبرهن على ادعاءه فإن على القارئ أن يأخذ بنظر الاعتبار الاحتمالات التالية:
- إنَّ "إحصاءاته" مزيفة؛
- أو إنَّه يقوم بتزييف الإحصائيات، أو الانتقاء منها ما يعجبه ويحلو له وتَجَاهُل ما يضره ويفضحه؛
- أو إنَّه لم يفهم هدف الإحصائيات ولا خلاصاتها وفلسفتها؛
- أو إنَّه يتجاهل نتائج إحصائيات أخرى تتعارض تمام التعارض تماماً مع نتائج "الاحصائيات!" التي استند إليها [أو لفقها].
فالإحصائيات العلمية التي لا شك فيها ولا غبار عليها لا يمكن أن تلبي حاجة الدعويين المسلمين.
2.
ولكن إذا ادعى مسلم المنتديات [وخصوصاً أصحاب "الجُمَيْلات/مُصَّغَر جُمَل" المسروقة] بأنَّ المسلمين "يتبرعون" في أوربا مثلاً لغير المسلمين وهم في أعلى قائمة المتبرعين فهنا لا يوجد غير احتمال واحدٍ أوحدَ وحيدٍ لا شريكَ له:
إنه يكذب على رؤوس الأشهاد وإنَّ "أدلته" التي يستند إليها لا تساوي قرشاً واحداً.
فثمة حقيقة "فقهية" صريحة:
"المسلم" "الحقيقي" "الملتزم" "إيماناً وعملاً بالإسلام" لا يتبرع للكفار!
وإنْ ادعى هذا المسلم أمام مركز أو معهد للإحصاء بأنه يتبرع فإنه يكذب وينافق ويدلس بوعي ومع سبق الإصرار والترصد – وهذا يعني أنه قد زود معهد الإحصاء بمعلومات مزيفة – أي أنه أدلى بشهادة كاذبة.
فـ"التبرع" في الإسلام لغير المسلمين كفر. وهذا أمر لا غبار عليه ولا جدل [وسوف نتطرق إليه بالتفصيل]
بل أنَّ المسلم [ولا أزال أتحدث عن المسلم الحقيقي الملتزم إيماناً وعملاً بالإسلام لا يتبرع مطلقاً!
ففي الإسلام لا يوجد "تبرع"، بل "صدقات". وهذان شيئان مختلفان تماماً.
3.
الزكاة صكوك غفران محمدية
التَّبَرُّع بمعايير المجتمعات المعاصرة هو أنْ يمنح الإنسان مبلغاً من المال [ أو ما يعادل المال من الحاجات العينية كالغذاء والملابس مثلاً] لأشخاص محتاجين [وخصوصاً للمنكوبين والمتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية] باعتباره عملاً خيرياً تطوعياً تضامنياً إنسانياً وبغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي حيث تتم عملية التبرع بإرادة الإنسان ومن غير ضغوط أو مسوغات أو اعتبارات خارجية وخالية من الأهداف المنفعية القريبة أو البعيدة المدى.
أي أنَّ التبرع فعلاً إنسانياً لا دينياً – تطوعياً لا تكليفاً – ولا يخضع لأية معايير غير معايير التكافل الإنساني الواسع- أكرر: معايير التكافل الإنساني الواسع.
4.
وهذا ما يتعارض في الطول والعرض والعمق والزمن [الأبعاد الأربعة جميعها] مع "الفلسفة" الإسلامية في مجال "الصدقات".
فالتعاليم والعقائد الإسلامية المتضمنة في كتاب محمد وأحاديث البخاري وغيره والتعليمات الفقهية المعاصرة تفند الدعاوي بأنَّ الزكاة عمل خيري. فهو أبعد ما يكون عن الإعمال الخيرية وأقرب ما يكون إلى صكوك الغفران التي كانت تبيعها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى.
[للمعلومات: صكوك الغفران هي مستندات ورقية كانت تبيعها الكنيسة الكاثوليكية لمن يستطيع "الدفع". وشراء هذه الصكوك، حسب تعاليم الكنيسة، تضمن لمن يحملها "الغفران" من خطاياه!]
فالرب "وهو أبانا الذي في السماوات!" يبيع الغفران بأسعار السوق.
وإذ تم إلغاء بيع الصكوك [فقد كان الكهنة والبابا على رأسهم يستحوذون على نسبة كبيرة من الأموال] فإن المبدأ الذي يستند إليه "صك الغفران" لا يزال قائماً: أنْ تشتري الغفران للخطايا بالمال بعد أن يتم الاعتراف بها.
5.
وإنَّ الأسباب الواجبة التي تختفي وراء "صكوك الغفران" هي نفسها في حالة الصدقات والزكاة وغيرها:
جمع الأموال!
فالدين لا يمكن أن يستقيم بقوة السلاح فقط. فبدون الأموال الكافية لا يمكن فرض السلطة الدينية. بل حتى "قوة السلاح" تحتاج بالدرجة الرئيسية إلى الأموال لشراء السلاح والمعدات الحربية وشراء ذمم المحاربين المأجورين على حد سواء.
وهذا هو السبب، استناداً إلى مرويات الإسلام الأدبية، الذي جعل مَن يُسمَّى بأبي بكر أن يشن حرباً دموية ضد الآلاف ممن رفضوا دفع الزكاة له وقام بتصفيتهم جسدياً بحد السيف - حتى يكونوا عبرة للقبائل الأخرى.
إنَّ حرب أبي بكر هذا [أسطورة كان أم حقيقة] واستناداً إلى السيرة الأدبية الإسلامية تثبت الطابع السياسي/المالي لما يسمى "زكاة". أما التفسيرات الأخلاقية لهدف "الزكاة" فقد جاءت لاحقاً للتغطية على الأهداف الأولية الأصيلة باعتباره ضرورة حربية.
6.
وإذ لا يمكن فرض الدين بقوة السلاح فقط فإن الأمر يتطلب شراء الذمم.
والذين يمكن شراء إيمانهم بالمال هم صنفان:
الصنف الأول: المعدمون [الفقراء والمساكين ولن أدخل بالموضوع السخيف المتعلق بتعريف " الفقراء" و"المساكين" على طريقة تخريفات الكهنوت]؛
فبعد أن أضطر المعدمون وبحد السيف [الدخول في دين الله أفواجاً!] فإنَّ الأمر يتطلب إعاشتهم وشراء إيمانهم – أو مواصلة إيمانهم [للمعلومات: لا تحل الصدقات على الأعراب لأنهم "أسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم"].
أما الصنف الثاني: فهم الأقوياء الذين يجب شراء إيمانهم وذممهم بصريح القول والعبارة ومن غير أي تأويل أو شقلبة:
- "المؤلفة قلوبهم":
واستناداً إلى تفسير ابن كثير [وليس هو فقط] فإنَّ المؤلفة قلوبهم أقسام :
- "منهم من يُعطى ليسلم"!؛
- "ومنهم من يُعطى ليحسن إسلامه ، ويثبت قلبه"!؛
- "ومنهم من يُعطى لما يرجى من إسلام نظرائه"!؛
-"ومنهم من يعطى ليجبي الصدقات ممن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد"!!
أو كما يقول الطبري في تفسيره إن "المؤلفة قلوبهم" هُم "قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه, كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس, ونظرائهم من رؤساء القبائل" .
7.
ومحمد [أو أياً كان] كان يعرف بأن إيمان العرب بربه الجديد [الله!] لا يمكن أن يتعدى إيمانهم بأربابهم الحجرية أو تلك المصنوعة من التمر حتى يتم أكلها في فترات الشدة.
فمن غير المنفعة الشخصية [وهذا هو هدف جميع الغزوات الإسلامية] فإن الكثير من الناس "آنذاك" و"الآن" لا يجدون سبباً وجيهاً لدخول الإسلام!
8.
ولكي يتم شراء فقراء هذا العصر في آسيا وإفريقيا فقد وسَّع الكهنوت الإسلامي تطبيق قاعدة "يُعطى ليسلم" لكي يشمل عصرنا هذا.
وهذا ما حدث فعلاً ويحدث الآن في الكثير من المناطق الفقيرة في آسيا وإفريقيا: فقد قامت الحركات الدعوية [الممولة جيداً من نفط وأغنياء الخليج] بجذبهم إلى الإسلام عن طريق الدعم المالي والغذاء وبلغة الأمم المتحدة: الغذاء مقابل الإيمان!
الحلقة القادمة:
الزكاة [2]: فَرْضٌ وليس تطوعاً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق