منع

موافقات عمر نقضٌ "للوحي" و"الإعجاز" !

مقدمات:
[1] كالعادة هذا الموضوع ليس لمن قرر بإرادته أو بإرادة الشروط الوجودية التي وُلِدَ فيها ألا يرى وألا يسمع وإلا يقول الحقيقة.
الموضوع موجه لِمَنْ لم يودِّع عقله بعدُ ولا يزال مستعداً أنْ يرى ويسمع وأنْ يقول "لنفسه – على الأقل" ماذا رأى وماذا سمع بصدق وأمانة.
[2] وموضوعي لا يزال يتعلق بخرافتي "الوحي" و"الإعجاز" المُنَزَّل بالأقمار الصناعية أو عن طريق جلالة الملك جبريل – والأمر سواء!
[3] لا يوجد في تاريخ الوجود البشري المكتوب نصٌ مُعْجِزٌ.
فـ"الأعجاز" مفهوم غيبي لا معنى له من حيث اللغة والأساليب والبلاغة الأدبية. وإن ما وصلتنا (وما سيصل الأجيال القادمة في المستقبل) مُؤَلَّفات كتبها بشر فقط وذات قيمة فنية وأدبية وفكرية عالية - إن كانت لها مثل هذه القيمة.
1.
كما أشرت في الحلقة الماضية إنَّ فكرتي "الوحي" و"الأعجاز" مترابطتان موضوعياً كفكرتين ترتبط إحداهما بالأخرى بقانون السبب والنتيجة وذاتياً (في عقول المسلمين) باعتبارهما عقيدة دينية.
وهذا يعني أنَّ ايَّ خلل في إحداهما يؤدي إلى خلل في الأخرى وأي انهيار في أحداهما سيؤدي إلى انهيار الأخرى.
بكلمات أخرى:
لا يمكن الحديث عن الأعجاز في غياب مصداقية "الوحي"؛ مثلما لا يمكن الحديث عن "وحي" بغياب "إعجاز".
وإنَّ الحديث عن "إعجاز" رباني في كتاب محمد معادلٌ للحديث عن دَوْرِ سَرَابِ الصحراء في تَحْلِيَة مياه البحر!
هل يساهم السراب في تَحْلِيَة مياة البحر؟
2.
إلا أنَّ ثمة نوع آخر من الاشتراطات التي لا تقل أهمية عن علاقة "الوحي" و "الإعجاز".
فشرط "الوحي" لكي يكون "وحياً" واستناداً إلى منطق العقيدة الإسلامية نفسها هو أنَّ "الكلام" في القريان مصدره "رب العالمين!" من غير وسيط إلا جلالة الملك جبريل (تحياتي واحترامي له)!
بل ينبغي – كما يدعون –ألا يكون إلا مُبَلِّغاً ورسولا – وما على الرسول إلا البلاغ المبين!
وكلُّ قاعدة تكفَّ عن العمل إذا فَتَحْتَ فيها منافذَ وثقوباً لمرور الاستثناءات الاعتباطية والترقيعات اللاهوتية التي تنقض القاعدة.
وهذا يعني بوضوح عربي مبين وكما يدعون: إنَّ الوحي كلام رباني قح لم يسبقه فيه لا أنس ولا جن ولا يقبل تدخل البشر أياً كان – فهو مكتوب مسبقاً ومن الأزل في "لوح محفوظ".
3.
ولكن وحالما يجف حبر ما يكتبه المسلمون (وربما حتى قبل أن يجف) ينسون كمن يعاني من آلزهايمر ويشرعون بخرق ونقض كل ما قالوه بأنفسهم من غير أن يجبرهم أحد على ذلك:
والخرق الفاضح هو:
موافقات عمر[*].
فقد سبق عمر بن الخطاب محمداً في الإخبار عن "الوحي". وهذا لا يعني إلا شيئين:
إما أن يكون عمراً موحا إليه من لدن حكيم عليم؛
وإمَّا أن يكون "الوحي" كلام كأي كلام يقوله كل عابر سبيل - كما رأينا في الحلقة السابقة [مَنْ أوحى لمحمد حديثاً من مثله؟].
وعلى المسلمين (وهذه قضيتهم) أن يحسموا الأمر!
4.
لقد وصل عدد موافقات عمر للوحي (أيْ: تفوه بالوحي قبل محمد نفسه) العشرين (ربما – الله أعلم!).
وقد دشن صاحبنا وصاحبكم البخاري أخبار الحبيب عمر (الحبيب على قلب السنة – أما الشيعة فينطبق على حبهم المثل: ومن الحب ما قتل!)
وقد بدأ الفضيحة "صاحبنا: البخاري كالعادة:
"قال عمر: وافقتُ ربي في ثلاث: قلت: يا رسول لو اتخذنا من مقام إبراهيم مُصَلَّى؛ فنزلت: "واتخذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى"، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت إن نساءك يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر؛ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء رسول الله (ص) في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكنَّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنَّ"؛ فنزلت هذه الآية" [صحيح البخاري، الجزء الأول – كيف بدأ الوحي، ص: 466. وفي طبعة دار الحضارة ص:76]
وقد سافرت هذه الفضيحة قرون عديدة من البخاري (810- 870 م) وتم "النظر فيها وغربلتها وتحميصها" حتى على أيدي كتاب مسلمين بارزين فأيدوا البخاري ونقلوا عنه أخبار "الموافقات" ومن بينهم السيوطي (1445-1505) في " الاتقان في علوم القرآن" [الاتقان في علوم القرآن، الجزء الأول، تحقيق محمد إبراهيم - ص 99] إلى اللحظة الراهنة ولم يتم رفضها.
ويخبرنا السيوطي أيضاً عن الترمذي عن ابن عمر:
"وما نزل بالناس أمرٌ قطُّ فقالوا وقال، إلا نزل القرآنُ على نحو ما قال عمر"! [المصدر السابق].
وعن مجاهد: "كان عمر يرى الرأي، فينزل به القرآن"! [المصدر السابق]
5.
لكن مكانة عمر في "الوحي" كما سعى المسلمون إلى تقرير هذه المكانة قد وصلت عند بعضهم إلى مستوى تخطى فيه حتى "المصطفى" حتى كأنه كان يملي على "ربه" الوحي:
عن ابن حاتم عن أنس أخرج الخبر كالتالي: "وافقت ربي – أو وافقني ربي – في أربع؛ نزلت هذه الآية: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ..." الآية، لما نزلت قلت أنا: "فتبارك اللهُ أحسن الخالقين"، فنزلت: "فتبارك الله أحسن الخالقين". [المصدر السابق: ص 100].
وفي هذه الصياغة، كما نرى أنَّ من الممكن أن عمراً قال: وافقني ربي!
وكما أشرت أكثر من مرة فإن ثرثرة المسلمين رحمة للملحدين، فإن هذه الثرثرة تكشف لنا من غير أن يدري المُثَرْثِرُ بأنَّ "الوحي" عقيدة صنعوها فآمنو بها وما عليهم إلا الإصرار عليها.
فإذا كان "ربُّ عمر" يوافق "عمراً" فإن علينا أن نؤمن بعمر بدلا من ربه!
6.
في "مناقب أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب" لابن الجوزي نجد "موافقات" أخرى من بينها:
"فضل الناس عمر ابن الخطاب بأربع: بذكر الأسرى يوم بدر أمر بقتلهم فأنزل الله عز وجل "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم". [ص 26]
وعن عائشة، قالت: كنت آكل مع رسول الله (ص) حيساً فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت يده إصبعي فقال: حسنٌ لو طاع ما رأتكن عين فنزلت آية الحجاب. [ص: 27]
أما في كتاب "الإمامة والرد على الرافضة، المدينة المنورة 1987" لأبي نعيم الاصبهاني فإن عليه أن "يشعل النار" في الحرب الباردة السنية – الشيعية.
فهو يقول (والعهدة عليه):
"عن علي رضي الله عنه قال: إن في القرآن من كلام عمر رضي الله عنه كثيراً"! [ص: 297]
7.
ويمكن المضي في سرد أخبار الموافقات التي يفخر بها السنة ويتباهون بها أمام الأمم. غير أنهم، وكأنهم سكارى وما هم بسكارى، يضربون بعرض الحائط ما يسعون أكثر من 14 قرناً إلى اقناعنا به:
ثمة شيء اسمه "الوحي".
وها نحن نرى (اعتماداً عليهم) أنَّ هذا "الوحي" قد جاء من عمر!
فهل هذا كل شيء حول خرافة "الوحي"؟
للأسف (أم لحسن الحظ – يعتمد الأمر على زاوية الرؤية) ونقلاً عن كتب المسلمين (أيضاً وأيضاً) نقرأ بأنَّ "الموافقات" لم تقتصر على "الصحابة"، بل تعدت إلى شعراء سبق شعرهم ظهور قريان محمد.
ولهذا المقال مقام آخر سيأتي في وقته ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر