منع

الوظيفة المعرفية لكتابات الملحدين

كتاب صفحاته تضيء

1.
أرسى الإلحاد ثقافة جديدة في مجال المعرفة: على مستوى البحث والتحصيل والتحقيق والتبادل والأهداف.
إنها ثقافة العلم: المنطق العقلاني والأدلة التجريبية ["جَادَلَنِي" أحدهم متسائلا: وما علاقة الأدلة التجريبية في مجال الدراسات الإنسانية؟!].
2.
ولثقافة الأدلة التجريبية معنى آخر.
فعندما ترتبط المعرفة بالضرورة التجريبية فإنَّ هذا لا يعني غير أن "الحقيقة" ومهما كانت مصداقيتها هي "حقيقة" الآن بالذات ويتم قبولها على أساس المعارف العلمية التي قد توصل إليها البشر حتى اللحظة الراهنة والمعارف الإحصائية المتوفرة الآن.
ولهذا فإن الشكَّ صنو الحقيقة والشكَّ والحقيقة هما مادة المعرفة الإلحادية.
الثقافة الإلحادية من غير مقدسات، ولا ملائكة طائرة، ولا كتب لا تقبل الشك.
وهذا لا يعني غير شيء واحد:
أن الثقافة الإلحادية هي، بطبيعتها، نقض للاهوت وليس ثمة مجال للمساومة.
3.
البحث:
البحث عن الحقيقة هي ثقافة راسخة بالنسبة للملحد [للأسف على إضافة: الحقيقي] ولا ترتبط بالنفعية. لأن معرفة العالم الذي نعيش فيه له قيمة وجودية بحد ذاتها بالنسبة لحياة الإنسان على الأرض.
كما أنَّ البحث عن الحقيقة ليس وظيفة للبرهنة على صحة ما يقوله الملحد، بل صحة الوقائع.
إلا أن القيمة الإلحادية في عملية البحث تكتسب قيمة استثنائية عندما يتعلق الأمر ليس بمعرفة الحقيقة فحسب، وإنما نشرها أيضاً.
وهذا هو الهدف الاستثنائي.
4.
التحقق:
عندما تسقط الأهداف النفعية الصرفة [المتعة حالة نفعية لكنها ذات طابع نفسي وليس تبادلي] فإن "سلامة" الحقيقة – مصداقيتها تتحول إلى ضرورة هي جزء من قيمة الحقيقة ذاتها.
وهذا ما يميز الملحد عن المؤمن.
فـ"الحقيقة" بالنسبة للمؤمن لها طابع عقائدي لاهوتي. و"مصداقيتها" الإيمانية لا تستوجب التحقق منها. وهذا ما يؤدي بدوره لا إلى "الحقيقة" القابلة للبرهنة والأدلة التجريبية بل إلى نوع من "القناعات التسليمية" بصحة ما يقول.
وهذه هي المصيدة التي يصنعها المؤمن بنفسه ولنفسه!
5.
مهمة الكتابات الإلحادية هي نشر الحقيقة وليس نشر الإلحاد:
ولم أضف إلى كلمة "الحقيقة": عن هذا أو ذاك، أو ضد هذا وذاك. وهذا هو جوهر قضية الملحد.
كما أنها من حيث المبدأ موجهة إلى القارئ أياً كانت توجهاته الثقافية والعقائدية والفكرية. ومع ذلك فإن قضية الدين تحتل مكانة متميزة في كتابات الملحدين. وليس السبب لأن الملحد لا يؤمن بالأديان فقط، بل ولأن عقيدة المؤمنين تضع الإلحاد في خانة التحريم والملحد في خانة التجريم. وهذا ما يدفع الملحد إلى أن يكشف عن بطلان هذه العقيدة ونقدها المباشر من الداخل والخارج. ولا يمكن الكشف عن بطلان عقيدة ما من غير أن تقوم بنقد بنيوي منطقي وتشريعي وتاريخي لهذه العقيدة وللأسس التي تستند إليه.
وباختصار:
من غير توجيه النقد العلمي لهذا الدين فإن "نقد الدين" سوف يتحول إلى نقد المظاهر الخارجية وحسب.
6.
مَشَاعِيَّة المعرفة:
إنَّ المعرفة، هي كل المعلومات والحقائق والوقائع عن العالم الذي نعيش فيه والتي تم اختبارها فقط؛ وهي أيضاً قدراتنا المهنية التي نتوصل إليها عن طريق الدراسة الأكاديمية والتجربة في مجالات الحياة المختلفة.
وحين نتحدث عن وَهْمِ المعرفة، فإننا أمام تصورات ورؤى ومعتقدات مشوهة عن الحياة لا تستند إلى "معلومات وحقائق ووقائع تم اختبارها".
ولهذا السبب بالذات فإن المعرفة إذا لم تتحول إلى معرفة مشاعية للجميع، فإنها، مستعيراً مصطلح الفلسفة، معرفة "بالقوة" غير متحققة. ولن تتحول إلى معرفة "بالفعل" إلا بإشاعتها.
7.
غير أن للمعارف الإلحادية وجهاً آخر:
وهو الخبرات الثقافية الأكاديمية والشخصية واستخدامها في النقد الثقافي للدين واللاهوت.
إذ أن "التشريط" المنطقي والفكري للعقائد الدينية تكشف عن الوجه المستتر للعقيدة الدينية الذي "يمول" و"يغذي" الطقوس الدينية العلنية.
إن للرؤية المختلفة اللاتقليدية ووجهات النظر الإبداعية قيم استثنائية للكشف عن الوجه المستتر للعقيدة الدينية من جهة، وهي تسلح القارئ (ملحداً كان أم محايداً) بأدوات ثقافية ومنطقية ضد الأوهام الدينية.
العقل في حاجة إلى تغذية مستمرة بمعارف واكتشافات جديدة ووجهات نظر مبتكرة.
8.
ومن هنا تنشأ القيمة الثقافية التبادلية للمعرفة الإلحادية. وإن قيمتها التبادلية ليست ما بين الملحد والقارئ المختلف أو المحايد فقط، بل وما بين الملحد والملحد. لأن تعدد زوايا الرؤية الشاملة للدين قضية لا يمكن التغلب عليها بدون الاستعانة بالمعارف الأكاديمية والاهتمامات الثقافية المتعددة والمختلفة للملحدين.
ولهذا فأن علينا أن نقدِّر عالياً المعارف الأصيلة المتعلقة بتاريخ الأديان والثقافة والعلوم والمنطق والتجارب السياسية في مجال الديموقراطية والعلمانية مثلاً التي يقوم بها الملحدون لأنها تغني معارفنا وتوفر علينا مشاق البحث والوقت.
9.
الثقافة الإلحادية ثقافة "مؤقتة" ودائمة" في نفس الوقت:
فالخطأُ يقع من الحساب ويتم تجاوزه؛ والصح يستحيل إلى جزء من الرصيد الثقافي للحضارة ويستمر إلى الأمام.
العلم ثقافية إلحادية من غير قيد وشرط.
وهذا ما لا تقبله الثقافة الدينية التي لا تعترف بالعلم إلا كوظيفة لقبول الوحي. هذه الصفقة هي ما يميز الدين: آمن وتذهب إلى الجنة!
إنَّ الشكَّ، والتساؤل، والتفكير الجدلي العقلاني، وإعادة النظر بالفرضيات من الوسائل التي يعتبرها الدين ألد الأعداء. أما بالنسبة للملحدين فهي مصدر للمتعة.
10.
الإلحاد هو الخروج من النفق.
والإسلام هو النفق الذي لا مخرج منه إلَّا نحو الإلحاد.


أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر