منع

نصف التفاحة تفاحٌ ونصف المتعلم جاهلٌ بامتياز!

1.
إنَّ للسرنديبية (Serendipity) فضل في أن يكتشف نيوتن قانون الجاذبية وهو يراقب سقوط التفاحة من الشجرة. وسواء كانت هذه الحادثة حقيقة أم أسطورة فأن القانون واقع لا ريب فيه.
ولو تابع نيوتن ملاحظاته حول التفاحة لاكتشف قانوناً خفياً عن التفاحة وفي التفاحة نفسها ولوفر علينا مشقة البرهنة.
ولأنني أعرف التفاح جيداً (فهي فاكهتي اليومية المفضلة) وأعرف أنصاف المتعلمين المسلمين الذين يملؤون المنتديات فقد كان عليَّ أن اكتشف القانون بنفسي "!" والذي انشغل نيوتن عن الانتباه إليه في "أمور جانبية!" وهو:
نِصْفُ التفاحةِ تفاحٌ ولكن نصف المتعلم جاهلٌ!
2.
ولا يتوقف جوهر هذا القانون عند هذا الحد.
فالوقائع اللعينة تقول لنا أن نصف المتعلم ليس جاهلاً فقط، بل هو جاهلاً من النوع الذي يشكل خطراً حقيقياً على الحياة.
فالجاهل الحقيقي الذي لم تتوفر له ظروف الدراسة يعرف حدوده ولا يتورط فيما لا يعرفه. لكن صاحبنا الذي قرر أن يتعلم على الكتب الرخيصة من نوع "تعلم اللغة السنسكريتية في أسبوع" والذي لم يتعلم من دراسته للسنسكريتية غير معرفة العنوان فقط سوف تُعَيِّنُه الدولة الجاهلية معلماً في مدرسة حكومية لتعليم مادة السنسكريتية!
3.
فهناك الكثير من مسلمي الانترنت، ولا أحد يعرف لماذا، لهم تصورات سخيفة وسطحية عن الثقافة والفكر الإلحادي والمركسية (هكذا يكتبون كلمة "الماركسية" ولا أعرف كيف يلفوظنها) ولأنهم "يناضلون" من أجل الجنة فلا بأس عليهم الدخول في مثل هذه المواضيع وهم لا يعرف عن الثقافة والفكر الإلحادي و"المركسية" أكثر من معرفتهم بالسنسكريتية!
وهذا سوء فهم فظ لحرية التعبير.
فحرية التعبير تعني أنَّ تعبر عن آرائك وتصوراتك عن العالم لا أن تنقل معلومات مزيفة وتكذب وتدعي ما لا تعرفه. إذ أن مثل هذا السلوك يسمى في جميع اللغات:
قلة أدب.
4.
فهل ثمة علاقة ما بين الفكر الإلحادي والماركسية؟
الجواب من غير شك: نعم.
إلا أنَّ الإجابة هذه، وكما هو واضح، لا تعني أنَّ الألحاد مرادف للماركسية - مثلما لا يجعل إيمان المسلمين والمسيحيين بكيان خرافي واحد متشابهين بالخرافات.
فالماركسي الحقُّ ملحد. وأقول "الحقَّ"، لأن هناك من الماركسيين العرب وقد يأسوا من الاقتراب من ملذات الدولة العربية قرروا أن ينقحوا نسختهم "الماركسية" والادعاء أن الدين ليس سيئاً كما كانوا يعتقدون سابقاً، مع إن الوقائع اللعينة تقول بأن الدين الآن أسوء بعشرات المرات من السابق.
5.
فإذا كان كلُّ ماركسيٍّ حقٍّ ملحداً فليس كلُّ ملحدٍ ماركسيِّ (حق أو مزيف).
وهذا ما يثبته تاريخ الفكر الإلحادي ونقد الدين الذي بدأ قبل ماركس بأكثر من عشرين قرناً في الثقافة الأوربية ومنذ أولى بوادر الفكر الفلسفي في اليونان القديمة. فنحن نعرف محاججات ديموقريطس وأبيقور وسقراط وغيرهم الكثير.
بل أنَّ الشكوك في وجود الآلهة يعود إلى عشرات الأضعاف من هذه السنين من هذا التاريخ في الثقافة الهندية القديمة.
أما تاريخ الإلحاد ونقد الدين في الثقافة الأوربية ومنذ عصر النهضة حتى الآن فإنه يمكن الاطلاع عليه مجاناً في كتب تاريخ الفلسفة وهي متاحة أمام مَنْ تعلم القراءة والكتابة.
أيُّ من الفلاسفة الأوربيين الذين نقدوا الدين كان ماركسياً؟
لابد وأنه نيتشة[!!!!]
ومع ذلك فإن الناقد الحقيقي للدين والذي عبد الطريق لماركس في نقد الدين هو الفيلسوف الألماني لودفيغ فويرباخ في كتابه "نقد الدين".
6
.
وماذا عن الملحدين العرب ومَنْ نقد الدين الإسلامي بالذات؟
مَنْ منهم كان ماركسياً؟
عبد الله القصيمي مثلاً، ذو الأصول السلفية؟
وماذا عن د. إسماعيل أدهم المصري مؤلف كتاب "لماذا أنا ملحد" 1937؟
ومَنْ مِنَ الملحدين الأتراك في القرن العشرين كان ماركسياً؟
وماذا عن رجال الأعمال والفنانين المشهورين عالميا من هوليود وخارجها – هل هم ماركسيين؟
7.
وأخيراً وليس آخراً:
لماذا يحمل المسلمون كل هذا الحقد إزاء ابن عمهم ماركس؟
كما أشرت لم يكن ماركس هو المفكر  الذي بدأ في نقد الدين. ولكن كن يبدو أن فكرة "الدين أفيون الشعوب" هي الجملة الوحيدة التي يعرفها المسلم من تاريخ الإلحاد. ولهذا فقد تحول ماركس العدو الأول!
إنها ثقافة"الفرفشة"!
8.
إن "فنَّ العباطة" لم يكن يوماً ولن يكن فناً، بل عباطة يمارسها أنصاف المتعلمين من خريجي كتاتيب الجوامع القروية!


ثقافة القتل – في ذكرى فرج فودة

[فرج فودة]

تنبيه [1]:
ليس هذا الموضوع عن قتلى الإسلام عبر تاريخه المظلم، ولا عن القتلى بالسر والعلن. فضحايا الإسلام سواء في زمن الغزو الإسلامي وفيما بعد أو في زمننا الحاضر أمر لا يمكن حتى التفكير في إحصاءه.
هذا الموضوع عن فرج فودة فقط. وقد كتبته لسببين اثنين:

السبب الأول: لأن فرج فودة كان من أوائل المثقفين العرب الذين دقوا ناقوس الخطر من المد العاصف لثقافة التوحش المعاصرة. وهو من أوائل ضحايا هذه الثقافة وقد دافع حتى آخر لحظة من حياته عن الحقوق المدنية والدولة المدنية.
وستمر في الثامن من حزيران هذا العام 30 عاماً على اغتياله من قبل إسلام التوحش.
أما السبب الثاني والذي لا يقل أهمية فسيكون واضحاً في نهاية المقال.
1.
سأبدأ من حيث بدأ فرج فودة:
"هذا حديث سوف ينكره الكثيرون، لأنهم يودون أن يسمعوا ما يحبون، فالنفس تأنس لما تهواه، وتتعشق ما استقرت عليه، ويصعب عليها أن تستوعب غيره، حتى لو تبينت أنه الحق، أو توسمت أنه الحقيقة، وأسوأ ما يحدث لقارئ هذا الحديث، أن يبدأه ونفسه وسبقة بالعداء، أو متوقعة للتجني، وأسوأ منه موقف الرفض مع سبق الإصرار للتفكير واستعمال العقل" [الحقيقة الغائية، القاهرة 1988]
وهذا ما حدث:
إذ لم ينكره الكثيرون الذين لا يودون أن يسمعوا غير ما اعتادوا عليه في الجوامع ومن محطات الإذاعات والتلفزيون الرسمية والمدارس، ولم يتم رفض حقه في التعبير عن آراءه، ولم ينكر البرابرة المعاصرون حقيقة ما قاله ويُجَابَه بالعداء والكراهية، ولم يتم شن حملة عاتية ضده والتحريض على قتله بدءاً من الأزهر وانتهاء بالجماعات الإسلامية والتي تجسدت في نهاية المطاف في فتوى الشيخ الأزهري عمر عبد الرحمن القائد الروحي للجماعات الإسلامية في جريدة النور 1992 فقط بل وتم اغتياله في الثامن من حزيران 1992!
2.
كما كان واضحاً أن قوى التوحش لم ترفض الاستماع “مع سبق الإصرار ورفض التفكير واستعمال العقل" وعجزها عن استيعاب حقائق التفكير العقلاني فحسب، وإنما كانت ولا تزال عاجزة حتى اللحظة الراهنة عن الاستماع. وسلوك الإسلاميين (سنة شيعة) في منتدى الملحدين يكشف عن هذا الإصرار.
لقد حاول فرج فودة أن يقول لحركة الثقافة المتوحشة الحقيقة البسيطة:

بأنَّ الدين والعقيدة الدينية شيء والدولة والنظام السياسي شيء آخر.
ليس ثمة مبالغة في هذا الأمر!
هذا ما كان ينادي به وقد أوشك آنذاك القرن العشرين على الانتهاء ولم يحارب الإسلام فقد كان مسلماً – لكنَّه كان يكشف عن خصلة عجز الإسلاميون ولا يزالون عاجزين عن تذليلها: الخلاف!
ففي لحظة الصعود الجديد لتنظيم جماعة الأخوان المسلمين كان فرج فودة واحد من الأصوات التي لم تتخاذل وظل يعلن رفضه المبدئي لثقافة العصور المظلمة.
وقد طرح فودة "سؤالاً بسيطاً وبديهياً" وهو سؤال ينبغي أن يكون في حسابات كل من يدعي بأحقيته المقدسة في امتلاك السلطة السياسية:
ما داموا قد رفعوا شعار الدولة الإسلامية وانتشر أنصارهم بين الأحزاب السياسية يدعون لدولة دينية يحكمها الإسلام، فلماذا لا يقدمون إلينا – نحن الرعية – برنامجاً سياسياً للحكم، يتعرضون فيه لقضايا نظام الحكم وأسلوبه، سياسته واقتصاده، مشاكله بدءاً من التعليم وانتهاء بالإسكان وحلول هذه المشاكل من منظور إسلامي"؟[من الحقيقة الغائبة]

وهذا ما عجز عن الرد عليه مرشد الأخوان المسلمين حتى أثناء "المناظرة" التي شارك فيها فرج فودة في الثالث من كانون الثاني 1992 وقبل اغتياله بقليل حولها الإسلاميون إلى مسخرة وقد أقيمت على هامش فعاليات المعرض الدولي للكتاب - القاهرة. وقد كانت هذه المشاركة هي الذريعة التي استند إليها الإسلاميون في إصدار فتوى التكفير ضد فرج فودة برضى وقبول الأزهر الذي عبر عنه محمد الغزالي – شيخ الأزهر آنذاك في شهادته في جلسات محاكمة منفذي الاغتيال عام 1993
[في هذا المكان تم اغتيال فرج فودة وهو ذاهب إلى مكتبه في هذه البناية - الجمعية المصرية للتنوير]
3.
لقد أثبتت الوقائع اللعينة، مثلما أثبت المنطق اللعين، إن الإسلاميين عاجزون عن تقديم برنامج عقلاني ينسجم وتعقيدات الحياة المعاصرة. إنهم لا يحملون غير عقيدة متخلفة وثقافة القرون الثلاثة الأولى ورغبة عارمة في سلطة شمولية هدامة. وإن مثل هذا الغياب ليس مجرد سهو أو قضية تفصيلية يمكن تجاوزها. وقد كان فرج فودة على حق عندما يرى بأن السبب وهو ما يعاني منه دعاة تطبيق الشريعة هو:
"عقم الاجتهاد، بل إن شئت الدقة اجتهاد العقم، وخوف الاختلاف، بل إن شئت الدقة خُلف الخوف، وطمع الاستسهال، بل إن شئت الدقة استسهال الطمع، وعجز القدرة، بل إن شئت الدقة قدرة العجز".[من الحقيقة الغائبة]

لم يكن ماركس على حق فقط، بل كان وكأنه يرى زماننا التعس عندما كتب في "المسألة اليهودية":
"إنَّ الدولة التي تشترط الدين لم تُصْبِحْ بعدُ دولةً حقيقيةً، دولةً واقعية".
فالدولة الدينية هي دولة وهمية تستند إلى العقيدة وليس إلى الوقائع. وإنْ "اجتهد" المسلمون وقدموا نوعاً من "وقائع" و"قرروا" أنها تاريخ فإن على المراقب الذكي أن يعرف بأنها "وقائع" مزيفة.
4.
كانت "المناظرة" بعنوان "الدولة الدينية والدولة المدنية" وقد استمع إليها أكثر من عشرين ألفاً من زوار المعرض أغلبيتهم من أصحاب اللحى والمحجبات. وبسبب ضيق القاعة فقد استمعت الغالبية العظمى إلى "المناظرة" عن طريق مكبرات الصوت خارج القاعة.
اشترك في "المناظرة" خمسة أشخاص:
- ثلاثة من المدافعين عن دولة الشريعة الإسلامية: محمد الغزالي (شيخ الأزهر آنذاك) ومأمون الهضيبي (المرشد السادس لجماعة الأخوان المسلمين ومحمد عمارة (عضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى عام 2015).
- واثنان من المدافعين عن الدولة المدنية: فرج علي فودة (كاتب ومن المثقفين المصريين الذي اشتهر بكتاباته المدافعة عن الدولة المدنية وإخراج الدين من الحياة السياسية، دكتوراه في الاقتصاد الزراعي) ومحمد خلف الله (مفكر وكاتب مصري في حركة الحداثية الإسلامية).
وخمستهم مسلمون لم يشكك أحد في انتمائهم الديني الإسلامي؛ كما لم يعبر أحد من المدافعين عن الدولة المدنية عن أي نوع من الفكر الإلحادي أو المعادي لدين الإسلام.
وعلى هتافات التوحش:
"الله أكبر والله الحمد!
الله أكبر ولا عزة إلا بالإسلام!
الله غايتنا والرسول زعيمنا والجهاد والموت في سبيل الله أسمى أمانينا! [الأعمال الكاملة للدكتور فرج فودة التي طبعت بعد اغتياله – بدون مكان وتاريخ الإصدار]
وفي جو مشحون بالكراهية ونبذ صوت الحق بدأت "المناظرة" بمداخلة شيخ الأزهر الذي كعادة بائعي الكشري أخذ يعلن عن بضاعته الفاسدة "معلناً" الحرب على "الشورى الغربية!" وعلى "مجلس العموم البريطاني ومجلس اللوردات!" لأنهم على حد قوله قد رفضوا "إن الزنا حرام، وإن الشذوذ الجنسي حرام ..."!
ولهذا أخذ يتباكى محرضاً الجمهور المتطرف أصحاب اللحى:

"كيف أحكم في ديني وخلقي أمثال هؤلاء الشاذين في تصرفاتهم وفي أحكامهم وفي أحوالهم .. إنني لا أستطيع إلا أن أقول يُحارب الغزو الثقافي .. يُحارب الاستعمار التشريعي .. يحارب الاستعمار التربوي كما حورب الاستعمار العسكري حتى تجلو عن بلادنا هذه الأفكار الدخيلة التي جاءت مع القبعات ويعود الإسلام لأهله ويكون الدين كله لله. أما أن يقع ما يقع ثم يقال لا نريد حكماً سماوياً أو حكماً دينياً فهذا نوع من العبث [...] ما هذا الحقد الغريب على الإسلام؟ ما هذا الحقد الغريب على الله ورسوله؟ ما هذا الحقد الغريب على الكتاب والسنة، ما هذا الحقد الغريب على التراث؟ إننا نريد أن يعرف الناس أننا إسلاميون."[الأعمال الكاملة ص 8]
وهكذا عاد إلى أصوله كأحد أعضاء الجماعات الإسلامية قبل أن يتم طرده منها.
وهكذا قام شيخ الأزهر بإشعال حماس من لا يحتاج إلى حماس من الآلاف من أصحاب اللحى في القاعة وخارج القاعة وأخذت تعلو الهتافات:
"الله أكبر، ولله الحمد"!
5.
لقد كان واضحاً أن مناقشة المسلمين قضية لا جدوى منها لأنهم يرفضون الاستماع لغير أصواتهم.
. ومن لا يفهم هذه الحقيقة فإنه لم يفهم الإسلام مطلقاً.
ورغم أنَّ فرج فودة ومحمد خلف الله برهنا بما لا يقبل الشك على تهافت الدفاع الإسلامي عن الدولة الدينية وكشفا عن فشل الإسلاميين في تقديم أية مسوغات عقلانية منطقية تأسس لمصداقية تصوراتهم عن حكم الشريعة، فإن الجو العدائي لحرية التعبير والحق في الخلاف الذي رافق "المناظرة!" كان ينبأ بالكارثة.
وقد تم اغتياله بعد ذلك بأشهر!
ولضيق الوقت آمل من القراء الاطلاع على "المناظرة" أونلاين على الرابط التالي:


تنبيه [2]
لقد أجلت الحديث عن السبب الثاني لكتابة هذا المقال لأنه في الحقيقة نتيجة لقضية منطقية آمل أنْ يقوم القارئ قد توصل إليها:
كما هو واضح فقد تم اغتيال فرج فودة "المسلم" على آراء هي أقل شدة وجذرية بكثير من الآراء المطروحة في شبكة الملحدين العرب من قبل الملحدين واللادينين والربوبين وغيرهم من الزملاء الذين يرفضون ثقافة التوحش الإسلامية.
فما الذي ينتظرهم في بلدانهم؟!


أحدث المقالات:

كتاب: حكاية الحمار العجيبة الذي قرر أن يكون مؤذناً!

المواضيع الأكثر قراءة:

◄ أربعة مقالات حول: خرافة "الرحمة" في الإسلام!

هل كان آينشتاين مؤمناً؟

مقالات عن الشيعة: اساطير التاريخ وأوهام الحاضر